للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ، وَالْمُشْتَرِينَ وَهَذِهِ فُصُولٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَا بَقِيَ فِي الْمَحَلَّةِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَّةِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ كَأَصْحَابِ الْخُطَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَ الْبَائِعِ وَلِأَنَّهُمْ مُلَّاكٌ لِبَعْضِ الْمَحَلَّةِ كَأَصْحَابِ الْخُطَّةِ وَفِيمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِ رَجُلٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّارِ مُشْتَرِيًا، أَوْ صَاحِبَ خُطَّةٍ فَكَذَلِكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: صَاحِبُ الْخُطَّةِ أَخَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ مِنْ الْمُشْتَرِينَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَحَلَّةَ تُنْسَبُ إلَى أَصْحَابِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِينَ قَلَّ مَا يُزَاحِمُونَ أَهْلَ الْخُطَّةِ فِي التَّدْبِيرِ، وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ صَاحِبُ الْخُطَّةِ أَخَصُّ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِينَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِهِ مَعَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمَّا كَانَ هُوَ أَخَصَّ بِالتَّدْبِيرِ فِي دَارِهِ كَانَ مُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُشْتَرُونَ أَتْبَاعٌ لِأَصْحَابِ الْخُطَّةِ وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ دُونَ التَّبَعِ وَقِيلَ: إنَّمَا أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ وَفِيهَا سُكَّانٌ وَمُشْتَرُونَ فَهِيَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ، وَقَدْ كَانُوا سُكَّانًا».

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْلَاهُمْ مِنْهَا إلَى الشَّامِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَى أَصْحَابِ الْمِلْكِ دُونَ السُّكَّانِ؛ لِأَنَّ السُّكَّانَ يَتَنَقَّلُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ دُونَ أَصْحَابِ الْمِلْكِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَنْبَنِي مِنْ الْغُرْمِ شَرْعًا عَلَى الْقُرْبِ يَخْتَصُّ بِهِ أَصْحَابُ الْمِلْكِ دُونَ السُّكَّانِ، وَهُوَ الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ الْغُرْمِ شَرْعًا وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُلَّاكًا قَدْ أَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنَّهُ اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ؛ فَلِهَذَا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا وَظَّفَ عَلَيْهِمْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ الْأَرَاضِيَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي السِّجْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ السُّكَّانِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا دَامُوا فِيهِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: أَهْلُ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فِي الْمَقَامِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُمْ قَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>