للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَدْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ بِالْحُجَّةِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمُوجِبِهِ.

وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ خُصَمَاءُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ مَا بَقِيَتْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا مُتَّهَمِينَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَكَانُوا بِمَعْنَى الشَّاهِدَيْنِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُمْ يُحَلِّفُهُمَا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَاتِلَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِمَا عَلَى الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفَانِ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا سِوَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْأَوْلِيَاءُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَقَدْ أَبْرَأَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنْ أَقَامُوا شَاهِدَيْنِ بِذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ بِذَلِكَ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ حِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِغَرَضِ أَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ، فَقَدْ زَالَتْ هَذِهِ الْغَرَضِيَّةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيهَا كَالشَّفِيعِ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ بَعْدَمَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ، ثُمَّ شَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ وَقَعَتْ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى غَيْرِهِمْ عَلَى الْبَتَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِشَيْءٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ هَذَا الْحَالِ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ فِيهَا وَلِأَنَّا إنَّمَا كُنَّا نُحَلِّفُهُمْ عَلَى الْعِلْمِ لِيُظْهِرُوا الْقَاتِلَ إنْ عَلِمُوا فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ حِسْبَةً بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُظْهِرُونَهُ حِسْبَةً بِالشَّهَادَةِ، بَلْ يُسْقِطُونَ بِهِ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا مُتَّهَمِينَ فِيهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا خَاصَمَ فِي الْمَجْلِسِ يَعْنِي مَجْلِسَ الْحُكْمِ، ثُمَّ عُزِلَ فَشَهِدَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَبِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا خُصَمَاءَ لِكَوْنِ الْوَلِيِّ مُنَاقِضًا فِي الدَّعْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>