للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جلس مرة في جبل المنار قرب الناظور من الجانب الشرقي، ومعه جملة من الأعيان، فمرت بهم في البحر فلوكة بها جمع من كفرة الصيادين للسمك فقال له أحد الحاضرين: إن كنت شريفاً فادع على هؤلاء ليغرقهم الله، فظهرت غيرته، ودعا عليهم بجاه جده، فلم تلبث الفلوكة أن انقلبنت بمن فيها في البحر، ومات جميعهم، وله من هذا الباب وقائع شتى.

وكان المشير الأول يتمين برقيته ودعائه، وللمشير الثاني معه مودة واعتقاد، يتقرب به إلى رب العباد، عليه جرى المشير الثالث مع ما هو عليه من التعظيم عند الخاصة والعامة.

وعند وفاة الشريف محمد ابن الوزير العربي زروق عن وكالة زاوية الشيخ سيدي أبي سعيد الباجي رضي الله عنه قدمه المشير الثالث لها مع النظر على جبل المنار في ربيع الأول سنة أربع وثمانين.

ثم لما توفي ابن عمه المحسني المحمودي قدمه المشير المذكور للنيابة إماماً ثالثاً بجامع الزيتونة في الثامن عشر من شهر رمضان المعظم سنة ١٢٨٤ أربع وثمانين ومائتين وألف، ولازم الجامع للإمامة وواظب على رواية صحيح البخاري كل يوم ثم لما توفي ابن عمه المحسني المحمدي قدمه المشير الثالث خليفة في السادس عشر من ربيع الأول سنة ١٢٨٩ تسع وثمانين، واستولى عند ذلك الشيخ أبو الحسن على العفيف نائباً عنه.

واستمر الخليفة المذكور قائماً بصلوات الجامع في أول الوقت، حاملاً أعباء الخطبة والإمامة مدة مرض الإمام الأكبر إلى أن توفي الإمام النيفري فقدمه المشير إماماً أكبر بجامع الزيتونة في التاسع والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١٢٩٠ تسعين ومائتين وألف، وجعل خليفته الشيخ أبا الحسن علي العفيف، وقدم ابن عمه الشيخ أحمد بن حمدة الشريف إماماً ثالثاً، فنهض الإمام الأكبر الشريف صاحب الترجمة للجامع، وشمر على ساعد الجد في تنظيمه والبحث عن أوقافه، وأجرى الأمور على أحسن وجه، وقام بالخطبة قياماً كلياً بحيث أنه يحضر رواية البخاري كل يوم الثلاثة الأشهر، وهو مقيم في جبل المنار في حر الصيف حتى تيسر له ختم رواية صحيح البخاري في ٢٦ شهر رمضان سنة ١٢٩٦ ست وتسعين، ومهما اتفق احتباس المطر وخرج للاستسقاء إلا ورجع باليل، وإن لم يصبها وابل فطل.

[[قراءة البخاري عند الأزمة]]

وهو أول من جمع الناس لختم البخاري في مجلس واحد للاستغاثة ودفع الكروب وذلك أواسط جمادى الولى سنة ١٢٩٨ ثمان وتسعين، فحضر بجامع الزيتونة عند باب الشفاء، واحضر نسخة من صحيح البخاري مجزأة عشرين جزءاً في غاية الضبط والصحة، وجمع معه تسعة عشر مدرساً من علماء جامع الزيتونة ليروي كل واحد جزءاً كاملاً في ذلك المجلس، فحضرنا هنالك قبل الزوال بأربع ساعات، واستمر بنا على رواية الصحيح المذكور إلى مضي ساعة من الزوال فتمت روايته في خمس ساعات من يوم الأحد الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ١٢٩٨ ثمان وتسعين، وقد واظب الشيخ مدة على ذلك مع ذكر الاسم اللطيف وأدعية مدة استمرت إلى منتصف جمادى الثانية يحضر معه في كل يوم بعض المدرسين ويتلو بينهم في آخر المجلس استغاثات مناسبة للحال.

وقد تقدم في أثناء تدرجه في مراقي الإمامة إلى خطة الإفتاء بمذهب مالك، فتقدم مفتياً سادساً، تاسع شعبان الأكرم سنة ١٢٨٥ خمس وثمانين ومائتين وألف ونقش على ختمه بيتين من نظمه وهما قوله: [الرجز]

أدعوك ربي باسمك اللطيف ... ومن أتى بالشرع والتكليف

امننْ برشدِ عبدك الضعيف ... محمدِ بن أحمد الشريف

ولما توفي الشيخ محمود قابادو صار مفتياً خامساً، ولما توفي الشيخ صالح النبفر صار مفتياً رابعاً، ولما توفي الشيخ علي العفيف صار مفتياً ثالثاً، فهو اليوم إمام جامع الزيتونة والمفتي الثالث بالمجلس الشرعي، معتكف على القيام بوظيفته، ملازم لرواية صحيح البخاري في بيته، مع الاعتناء بتصحيحه وضبطه بشروحه، حتى ختمه مراراً كثيرة، كما ختم الشفاء كثيراً، وله مزيد تحر واعتناء بانتقاء بدائع الخطب وضبطها على الوجه الأتقن، وقد تقدم في الطريقة التجانية، ولقنها لكثير من المريدين، وقام بأورادها مع ما له من الأذكار، التي يلازمها بالليل والنهار، والتبتل للعزيز الجبار، على طريق الأخيار، من أصحاب الأسرار، رضي الله عنه.

<<  <   >  >>