للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يزل صاحب الترجمة بين إمامة وخطابة وتدريس، وفتوى تدير على أسماع رواتها كؤوس الخندريس، إلى أن أتاه محتوم الأجل، ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان الأكرم سنة ١٢٤١ إحدى وأربعين ومائتين وألف، ورثاه الشيخ محمد بن سلامة بقوله: [الطويل]

هو الموت حتم لا محالةَ صائرُ ... ومن ورده كل ابن آدم صادرُ

وهذا سبيل الناس طرّاً فما ترى ... سوى سائر يقفوه بالإثر سائرُ

وما الناس إلا كالركاب إلى الرّدى ... يسير بهم من سابق الغمر ضامر

يغر الفتى غض الزمان وما درى ... بأن جفون الحادثات سواهر

وتخدعه الأيام حيناً فسلمها ... وأسيافها عند التمام بواتر

تمرُّ به كفُّ التناول حيثما ... تبسّم عن روض الحياة أزاهر

فطوبى لمن قد كان فيها مصاحباً ... إلى طرق الخيرات، وهو مبادر

كهذا الإمام الفاضل الحبر من له ... خصالٌ سمت عن عدها ومآثرُ

وذاك أبو العباس من جمع الهدى ... ولكنه بين البرية نادر

عنيت به ابن الخوجة العلم الذي ... على موته جفن المكارم هامرُ

تردى بهذا العلم صرح وركنه ... ومات بهذا الفقه والنحو حاسر

تنكرت الدنيا عليه فأصبحت ... يعرّفها عنه الثنا المتكاثر

فلهفي على علم الأصول معطلاً ... ودرس المعاني بعده اليوم حاشر

ولهفي على كنز العلوم تحولت ... خبايا له الأرماس فهي ذخائر

فيا قبر طب قد حلَّ فيك مكرم ... وزارك [من] بحر الحقائق زاخر

غدوت لبث العلم فذاً ومن يكن ... إذا ثار من صعب المسائل ثائر

فمن شاء يبقى بعدك اليوم فليمت ... فأنت الذي كنا عليه نحاذر

حقيق بأن تكبي البرية منبراً ... ودرساً ثوى لما طوتك المقابر

لذاك الورى ناحت عليك وأرخت: ... (لنعيك درس مثل در ومنبر)

ورثاه الشيخ الحاج أحمد الكيلاني بقوله: [الطويل]

ألا حكم ربي نافذٌ في العوالم ... به كانت الأقدار ضربة لازم

وما منحُ الأيّام إلاّ زخارفاً ... وطيب جناها زائل غير دائم

فيا فوز من لم يكترث بنعيمها ... كصاحب هذا الرمس فخر المكارم

إمام الورى ابن الخوجة الفذّ أحمدٍ ... همامٍ حوى مجداً رفيع الدعائم

فطوبى لقبر ضم أعظمه التي ... سقاها مدى الأيام فيض الغمائم

وفوزاً لأرماس به قد تأسست ... ويا فوز من فيها بمحو الجرائم

لقد كان في دنياه (صدرَ شريعة) ... أبان رسوماً مبهماتِ المعالمِ

وقد كان للدين الحنفيّ صارماً ... وفي الحق لم تأخذه لومة لائم

فما خالف المشهور مذ كان حاكماً ... ولا همّ بالمرجوح ميلاً لظالم

وفي مذهب النعمان كان هدايةً ... به يهتدى في معضلات المعاظم

أيا ابن همامٍ قد نعتكم طروسكم ... ويبكى على تحريرها في المآتم

لقد راح من بالفتح يهجي ويهتدي ... محلّ عويص ضلّ عن عرضِ واهم

فمن (لمنار) الدين من بعد سيد ... لإيقاف تيار انتشار المظالم

وأين الذي يلفى (لتوضيح) مشكل ... إذا اصطكت الأبحاث في فهم عالم

على فقده تبكي المنابر دهرها ... وتبقى بحزن دائم متراكم

فراح وما راحت مناقب فضلهِ ... وقد زفَّ للحورِ الحسانِ النواعم

فيا رب قد وافاك يبغي رضاكم ... فقابله بالرضوان يا خير راحم

وحقّق بفضل منك قول مؤرخ: ... (فقد نال الفردوس طيب المكارم)

وأرخ وفاته الشيخ محمد السقاط بأبيات رسمت على قبره وهي قوله: [الكامل]

لذْ بالتّقى زاداً لربك واجهدِ ... في حسنِ أعمالٍ قلب أزهدِ

إذ للمنيةِ فيك سهمٌ صائب ... إن لم يصبك اليوم فاجا في غد

ولئنْ تكنْ أبداً زكياً ماجداً ... ما أنتَ من هذا الإمام الأوحد

هو أحمدُ بنُ الخوجة العلم الذي ... بالرمس أضحى كالحسام المعمد

حبرٌ ذكيٌّ فاضل متورع ... سند الهدى مأوى سباقِ السؤدد

ذو المذهب الحنفي الذكيّ إمامه ... مفتي الورى حاوي علوم محمد

حكمُ البرية ذو النهى من عدله ... يلفى لدى المظلوم أعظمَ منجد

<<  <   >  >>