وقدم الشيخ تاج علي النفاتي بالخطوط الشريفة وقد وقفت على مضمون أمر مختوم بطابع محمد باشا بن مراد باشا مؤرخ بأواخر المحرم فاتح شهور عام ١٠٧١ أحد وسبعين وألف، وتضمن أنه ورد عليه من الباب العالي مكتوب مضمونه ولاية أبي المواهب الشيخ محمد النفاتي قاضياً بتونس ومصحوب بمكتوب من القاضي المذكور في استنابة الشيخ محمد خوجة إمام جامع الباشا المشار إليه ومكتوب آخر فيه تفويض الأمر إلى الباشا المذكور في استنابة من أراد إن عجز النائب المذكور فناب النائب أياماً قليلة ورفع يده لأعذار قبلت منه.
واستشار الباشا مع أبي المكارم الشيخ تاج علي النفاتي فيمن ينوب أخاه أبا المواهب إلى أن يقدم من الأستانة، فاتفقا على تقديم الشيخ يوسف بن درغوث شاوش فقدمه الباشا قاضياً بالنيابة عن أبي المواهب دون أخذ المعلوم حيث يتولى قبضه أبو المكارم تاج المذكور ويبقى بذمته لأخيه أبي المواهب بمحضر الباشا وأهل العلم. واستقل أبو المكارم تاج بالفتيا بعزل من وجده فيها وهو الشيخ المسراتي ولازم خطته بنفوذ كلمته إلى أن توفي رحمه الله.
ونشأ في بيتهم الشيخ أبو الحسن النفاتي، وكانت له مشاركة مع شراسة.
حضر درسه بعض الطلبة من المغاربة وهو يقرىْ رسالة سيدي عبد الله بن أبي زيد فأكثر عليه السؤال لما آنس فيه من القصور فأحضر عصاً أخفاها ولما سأله في أثناء الدرس فأجابه بالضرب على رأسه إلى أن أدماه.
ولم نجد مما يدل على ولايته خطة الإفتاء بتونس إلا ما حكاه الشيخ محمد الشافعي في كتابه إظهار النكات بشرح المحركات قال حضرت مجلساً أشار فيه المفتي أبو الحسن النفاتي بقتل رجل وذهبوا به فعلق فانقطع به الحبل فأخبر الأمير حسين باي صاحب الدولة إذ ذاك فأمر به أن تؤخر دعوته إلى أن يجتمع الفقهاء عنده ويستشيرهم في أمره فلما كان يوم اجتماعهم عنده شاور الفقهاء فاتفقوا على أنه لا يقتل إلا المفتي المذكور ومن جملة ما احتج به على قتله أن قال لهم هل يمكن أن يكون هذا الرجل لم يقع منه لواط ولا زنى وعدم إمكان ذلك كاف من قتله.
قلت وهذا اللازم ربما يعم في زمن الفساد فكان على الشيخ أن يبادر بمقتضاه إلى قتل كل نفس زاكية ولكن الله لم يوجب الحدود والقصاصات بمجرد الظنون وإن بلغت مبلغ التحقق بل أتاط وجوب ذلك بالشهادة المستوفية للوجه المخصوص وذلك صريح جميع النصوص.
وقد نشأ أيضاً في هذا البيت الشيخ حميدة جد صاحب الترجمة في عز آل بيته وتلاه في ذلك ولده محمد فقرأ العلم الشريف وحج بيت الله الحرام وتقلد خطة العدالة، وولد وله أبو إسحاق بتونس ستة ١٠٧٥ خمس وسبعين وألف وحفظ القرآن الكريم وتصدى لقراءة العلم الشريف على الشيخ محمد قويسم والشيخ ساسي نوينة. وتقدم للخطبة والإمامة ورواية الحديث بجامع أبي محمد وبرع بالفرائض وتقدم لخطة قضاء الفريضة أولاً ثم قدمه المقدس حسين باشا لنيابة القضاء بالمحكمة الشرعية، وسار فيها سيرة مرضية إلا أن عدم معرفته بالنوازل الفقهية أوجب نقصاً في اعتباره حتى أن الأمير حسين باي بعد أن أولاه بمدة جاهره يوماً بقوله قيل لي: إنك جاهل فلم يتهيب الشيخ أن قال له أنت أوليتني وما تصنع بولاية الجاهل فتغافل الأمير عنه أياماً قليلة وعزله فأقام على وجاهته مع حسن الملاقاة. وكان عفيفاً خيراً عالي الهمة عظيم الوقار حسن القامة جميل الصورة نظيف الثياب فيه صلاح ومحبوب عند الناس إلى أن توفي عليه رحمة الله آمين.
[٨-الشيخ أحمد الشريف]
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشا تقدم في القسم الأول ذكر سلسلة شرف هذا الفرع الحسيني رضي الله عتهم أجمعين وقد ولد صاحب الترجمة بعد وفاة جده القطب الشريف ونشأ بين يدي والده، وقرأ النحو والصرف على الشيخ عبد القادر الجبالي، والفقه والحديث على الشيخ محمد بن عمير بن محمد الصفار القيرواني والتوحيد والمنطق والبيان على الشيخ محمد الخضراوي وبرع في المعقول والمنقول.
وتصدى للتدريس في أماكن كثيرة ثم إن المقدس الباشا حسين باي أجرى له جراية على التدريس بجامع الزيتونة، فأقرأ به علوماً كثيرة وكان جيد العبارة حسن القريحة فصيح اللسان عفيفاً معتدل القامة خفيف الشعر حسن الوجه ملازماً لخدمة العلم الشريف.