للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جَيِّدٌ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ يُخَلِّي سُؤَالَهُ وَدُعَاءَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ دُونَ أَنْ يَشَاءَ لِإِكْرَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يَشَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ) تَعَالَى (لَا مُكْرِهَ لَهُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ، وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَقْنَطُ مِنَ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا.

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يَمْنَعْنَ أَحَدًا الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، يَعْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ، وَهُوَ إِبْلِيسُ، حِينَ قَالَ: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ} [الحجر: ٣٦] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ ٣٦) وَفِي التِّرْمِذِيِّ: وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» ". قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ فِيهَا الْإِجَابَةَ، وَذَلِكَ بِإِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُرَاعَاةِ أَرْكَانِ الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ، حَتَّى تَكُونَ الْإِجَابَةُ عَلَى الْقَلْبِ أَغْلَبَ مِنَ الرَّدِّ، أَوِ الْمُرَادُ ادْعُوهُ مُعْتَقِدِينَ وُقُوعَ الْإِجَابَةِ ; لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا فِي الرَّجَاءِ لَمْ يَكُنْ رَجَاؤُهُ صَادِقًا، وَإِذَا لَمْ يَصْدُقْ رَجَاؤُهُ لَمْ يَكُنِ الرَّجَاءُ خَالِصًا وَالدَّاعِي مُخْلِصًا، فَإِنَّ الرَّجَاءَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الطَّلَبِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْعُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ الْأَصْلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>