وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ»
ــ
٥٦٦ - ٥٦٨ - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ) أَبِي الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَيُقَالُ وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ) السُّلَمِيَّ الْمَدَنِيَّ، الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ، أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالسِّينِ، أَيْ رُوحَهُ، وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ: النَّسَمَةُ الرُّوحُ وَالنَّفْسُ وَالْبَدَنُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرُّوحَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ الرُّوحُ مِنَ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْبَعْثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الرُّوحِ تَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ. (طَيْرٌ يَعْلَقُ) بِالتَّحْتِيَّةِ، صِفَةُ طَيْرٍ، وَبِفَتْحِ اللَّامِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَرُوِيَ بِضَمِّهَا، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالرَّعْيُ. (فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ) لِتَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا. وَقَالَ الْبُونِيُّ: مَعْنَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ تَأْوِي، وَالضَّمِّ تَرْعَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا ذُقْتُ الْيَوْمَ عَلُوقًا. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ يَتَشَبَّثُ بِهَا وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا، وَمَنْ رَوَاهُ بِضَمِّ اللَّامِ فَمَعْنَاهُ يُصِيبُ مِنْهَا الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَدْرَكَ الرَّغَدَ أَيِ الْعَيْشَ الْوَاسِعَ فَهُوَ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ أَرَادَ بِتَعَلُّقِ الْأَكْلِ نَفْسِهِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالشَّهِيدِ، فَتَكُونُ رِوَايَةُ الضَّمِّ لِلشَّهِيدِ وَالْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ، انْتَهَى.
وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ فِي الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِذَا لَمْ يَحْبِسْهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ كَبِيرَةٌ وَلَا دَيْنٌ، أَوْ خَاصٌّ بِالشُّهَدَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَا يَدُلَّانِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَكَرَ بَعْضَ أَدِلَّةِ الثَّانِي، وَقَالَ: بِحَمْلِهِ عَلَى الشُّهَدَاءِ يَزُولُ مَا ظَنَّهُ قَوْمٌ مِنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ فِي عَرْضِ الْمَقْعَدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ يَرَاهَا فِي جَمِيعِ أَحْيَانِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا إِنَّمَا هَذَا فِي الشُّهَدَاءِ خَاصَّةً وَمَا قَبِلَهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ابْنُ كَثِيرٍ فَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ تَكُونُ عَلَى شَكْلِ طَيْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فَفِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَهِيَ كَالرَّاكِبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْوَاحِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا تَطِيرُ بِأَنْفُسِهَا، فَهُوَ بُشْرَى لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِأَنَّ رُوحَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute