للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً، فَقَالَ: عَقْرًا حَلْقًا إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي» "، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا بَأْسَ انْفِرِي، وَأُخْرَى: اخْرُجِي، وَأُخْرَى: فَلْتَنْفِرْ، وَكُلُّهَا بَيَانٌ لِرِوَايَةِ: فَلَا إِذًا، وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّهَا: الرَّحِيلُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ: أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَجِبُ، وَأَنَّ أَمِيرَ الْحَاجُّ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الرَّحِيلِ لِأَجْلِ الْحَائِضِ، قَيَّدَهُ مَالِكٌ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ، وَإِكْرَامُ صَفِيَّةَ بِالِاحْتِبَاسِ كَمَا احْتَبَسَ بِالنَّاسِ عَلَى عَقْدِ عَائِشَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَقْرَى حَلْقَى، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ثُمَّ السُّكُونِ وَالْقَصْرِ بِلَا تَنْوِينٍ، فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ لُغَةً التَّنْوِينُ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالْعَقْرِ وَالْحَلْقِ، كَسَقْيًا وَرَعْيًا مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ نَعْتٌ لَا دُعَاءٌ وَمَعْنَاهَا: عَقَرَهَا اللَّهُ، أَيْ جَرَحَهَا، أَوْ جَعَلَهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ، أَوْ عَقَرَ قَوْمَهَا، وَمَعْنَى حَلْقَى: حُلِقَ شَعْرُهَا وَهُوَ زِينَةُ الْمَرْأَةِ، وَأَصَابَهَا وَجَعٌ فِي حَلْقِهَا، أَوْ حَلْقِ قَوْمِهَا، أَيْ أَهْلَكَهُمْ، وَحُكِيَ أَنَّهَا كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْيَهُودُ لِلْحَائِضِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وَضِيعَةِ صَفِيَّةَ عِنْدَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ اتَّسَعَ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِمَا كَمَا قَالُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَتَرِبَتْ يَدَاكَ وَنَحْوَهُمَا.

وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِ: شَتَّانَ بَيْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لِصَفِيَّةَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ فِي الْحَجِّ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَيْلِ لَهَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ صَفِيَّةَ، تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّضَاعِ قَدْرِ صَفِيَّةَ عِنْدَهُ، لَكِنِ اخْتَلَفَ الْكَلَامُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامِ، فَعَائِشَةُ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِيَ تَبْكِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ النُّسُكِ فَسَلَّاهَا بِذَلِكَ، وَصْفِيَّةُ أَرَادَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَبْدَتِ الْمَانِعَ فَنَاسَبَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا خَاطَبَهَا بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامٌ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ) الْحَدِيثَ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَقُولُهَا هُوَ: (فَلِمَ يُقَدِّمُ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُنَّ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ) مِنْ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ (لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ كُلُّهُنَّ قَدْ أَفَاضَتْ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: قَدْ أَفَضْنَ، أَيْ لَوْ كَانَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاجِبًا، لَأَصْبَحَ بِمِنًى هَذَا الْعَدَدُ يَنْتَظِرْنَ الطُّهْرَ حَتَّى يَطُفْنَ لِلْوَدَاعِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَيْسَ عَلَيْهِ وَدَاعٌ، وَكَذَا مَنْ حَجَّ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يُرِدِ الْخُرُوجَ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ لَكَانَ عَلَى الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>