" «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ". وَلَمْ يَقُلْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَبِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ إِذْ لَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ تَكَرَّرَ إِقْرَارُهَا، وَإِنَّمَا كَرَّرَ عَلَى مَاعِزٍ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِذَا قَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ وَقَالَ لِأَهْلِهِ: أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يُصِرُّ عَلَى إِقْرَارِ مَا يَقْتَضِي هَلَاكَهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، مَعَ أَنَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّوْبَةِ، وَلِذَا سَأَلَ أَهْلَهُ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ حَالِهِ وَصِيَانَةِ دَمِ الْمُسْلِمِ، فَيُبْنَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ لَا عَلَى مُجَرَّدِ إِقْرَارِهِ بِعَدَمِ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا لَمْ يُفِدْ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ لَأَنَّ إِقْرَارَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْمَعْتُوهَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَأَنَّ إِظْهَارَ الْإِنْسَانِ مَا يَأْتِيهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ جُنُونٌ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا الْمَجَانِينُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ ذَوِي الْعُقُولِ كَشْفُ ذَلِكَ، وَالِاعْتِرَافُ بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا مِنْ شَأْنِهِمُ السَّتْرُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالتَّوْبَةُ، وَكَمَا يَلْزَمُهُمُ السَّتْرُ عَلَى غَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُمُ السَّتْرُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ حَدَّ الثَّيِّبِ غَيْرُ حَدِّ الْبِكْرِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ قَلِيلٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَأَى عَلَى الثَّيِّبِ الْجَلْدَ وَالرَّجْمَ مَعًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُبَادَةَ وَتَعَلَّقَ بِهِ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ. وَقَالَ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: لَا رَجْمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْحَدُّ الْجَلْدُ لِثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ، وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute