للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- موقف علي رضي اللَّه عنه إزاء قتل عثمان:

كان علي رضي اللَّه عنه أحد الستة الذين رشَّحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده. وقد بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان بناء على ما اجتمع إليه من رأي أصحاب رسول اللَّه وأمراء الأجناد وأشراف الناس.

فقال عمار: إن أردت ألاَّ يختلف المسلمون فبايع علياً. فقال المقداد ابن الأسود: صدق عمار، إن بايعت علياً قلنا سمعنا وأطعنا. وقال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان. فقال عبد اللَّه بن أبي ربيعة: صدق، إن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا. فشتم عمار ابن أبي سرح وقال: ومتى كنت تنصح المسلمين.

وأخيراً بايع عثمان فاستاء عليّ وقال: حبوته حبو دهر. ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا يعني بني أمية فصبر جميل واللَّه المستعان على ما تصفون. واللَّه ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك. واللَّه كل يوم هو في شأن.

فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك سبيلاً فإني نظرت وشاورت الناس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.

بايع عبد الرحمن عثمان لأنه كما قال نظر وشاور وهو مع ذلك صهر عثمان، وكان لعلي رجال يؤيدونه، لكنه سكت بعد ذلك وأطاع. وكان عثمان يعرف قدره ويقدر رأيه غير أنه تركه ولم يقلده ولاية ما، فلما اشتدت الفتنة لجأ إليه يستشيره ويستنجد به ليرد عنه عادية الأعداء فبذل له من النصح أخلصه فلم يعمل بنصحه لتسلط حاشيته ومستشاريه عليه وقد كانوا يبغضونه في علي خشية أن يطيعه فيفسد عليهم سياستهم وتدابيرهم.

لم يكن عليّ يتحامل على عثمان بل كان يجلّه لقد قال له وهو يحدثه في أمر الفتنة:

"واللَّه ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وما خصصنا بأمر دونك. وقد رأيت وسمعت صحبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونلت صهره الخ".

ثم أظهر له علي موضع ضعفه وسبب شكوى الناس فقال:

"ضعفت، ورفقت على أقربائك". وقال: "إن معاوية يقطع الأمور دونك، وأنت تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغيّر على معاوية" ⦗١٨٩⦘.

ولما ذهب عثمان إلى عليّ في بيته يسأله أن يرد المصريين عنه قال له: "قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج وتقول، ثم ترجع عنه وهذا من فعل مروان وابن عامر ومعاوية وعبد اللَّه بن سعد. فإنك أطعتهم وعصيتني". فقال عثمان: فأنا أعصيهم وأطيعك. فركب عليّ وردَّ عنه المصريين.

ولما خطب عثمان وتاب، ثم خرج مروان وشتم الناس وأفسد عليه توبته غضب علي وحق له أن يغضب نصحته زوجته نائلة أن يستصلحه.

ثم طلب عثمان المهلة ثلاثة أيام وأكد لعليّ أنه يعطيهم الحق من نفسه ومن غيره. فخرج فأخبرهم بذلك، وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجله فيه ثلاثاً على أن يرد كل مظلمة ويعزل كل عامل كرهوه. فكف المسلمون عنه، ورجعوا، إلا أنه كان قد طلب الأجل انتظاراً للمدد من الأمصار حتى إذا قدموا وأنس القوة حاربهم، كما أوحى إليه مروان بن الحكم. وما كان عليّ يدري شيئاً من ذلك بل كان يحسب أنه إنما طلب الأجل ليتسنى له إجابتهم إلى ما يريدون في هذه المدة، لأنه قال له: "اضرب بيني وبينهم أجلاً يكون فيه مهلة فإني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد". ومضت الأيام الثلاثة ولم يغيّر شيئاً. وعدا ذلك أمر عليّ ابنه وأبناء الصحابة أن يحرسوا باب عثمان، فماذا يصنع عليّ بعد ذلك؟. وماذا كان في طاقته؟.

وعن شداد بن أوس قال: لما اشتد الحصار بعثمان يوم الدار أشرف على الناس فقال: يا عباد اللَّه. قال: فرأيت عليّ بن أبي طالب خارجاً من منزله معتماً بعمامة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متقلداً سيفه. أمامه الحسن وعبد اللَّه بن عمر في نفر من المهاجرين والأنصار حتى حملوا على الناس وفرَّقوهم، ثم دخلوا على عثمان فقال له عليّ: السلام عليك يا أمير المؤمنين إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر وإني لا أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان: أنشد اللَّه رجلاً رأى للَّه حقاً وأقرَّ أن لي عليه حقاً أن يهريق في سببي ملء محجمة من دم أو يهريق دمه فيَّ. فأعاد عليّ عليه القول، فأجابه بمثل ما أجابه، ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا: يا أبا الحسن تقدَّم فصلِّ بالناس فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور، ولكن أصلي وحدي، فصلَّى وحده وانصرف إلى منزله الخ.

وأخذ علي يبحث عن قتلة عثمان فسأل امرأته فقالت: لا أدري، إلا أن دخل عليه محمد بن أبي بكر ومعه رجلان لا أعرفهما فدعا محمداً وسأله، قال واللَّه لم تكذب دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكر لي أبي فقمت عنه وأنا تائب للَّه.

وجميع الروايات تثبت براءة عليّ رضي اللَّه عنه من دم عثمان.

<<  <   >  >>