يا ثارات عثمان إنا للَّه وإنا إليه راجعون. أفنيتْ نفسه. وطُل دمه في حرم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومنع من دفنه. اللَّهم ولو يشاء لامتنع ووجد من اللَّه عز وجل حاكماً. ومن المسلمين ناصراً. ومن المهاجرين شاهداً. حتى يفيء إلى الحق من سدِر عنه أو تطيح هامات وتُفرى غلاصم. وتخاض دماء، ولكن استوحشَ مما أنستم به. واستوخم ⦗٢١٣⦘ ما استمرأتموه. يا من استحل حرم اللَّه ورسوله واستباح حماه. لقد كره عثمان ما أقدمتم عليه. ولقد نقمتم عليه أقل مما أتيتم إليه. فراجع فلم تراجعوه. واستقال فلم تقيلوه.
رحمة اللَّه عليك يا أبتاه احتسبت نفسك. وصبرت لأمر ربك حتى لحقت به. وهؤلاء الآن قد ظهر منهم تراوض الباطل، وإذكاء الشنآن، وكوامن الأحقاد، وإدراك الإحن والأوتار. وبذلك وشيكاً كان كيدهم، وتبغيهم، وسعى بعضهم ببعض. فما أقالوا عائراً. ولا استعتبوا مذنباً، حتى اتخذوا ذلك سبباً إلى سفك الدماء. وإباحة الحمى. وجعلوا سبيلاً إلى البأساء والعنت. فهل أعلنت كلمتكم وظهرت حسكتكم إذ ابن الخطاب قائم على رؤوسكم. مائل في عرصاتكم يرعد ويبرق بإرعابكم. يقمعكم غير حذر من تراجعكم الأمانيّ بينكم وهلا نقمتم عليه عوداً وبدءاً، إذ ملك ويملّك عليكم من ليس منكم بالخلق اللين والجسم الفصيل. يسعى عليكم وينصب لكم. لا تنكرون ذلك منه خوفاً من سطوته وحذراً من شدته. وأن يهتف مقسوراً أو يصرخ بكم معذوراً. إن قال صدقتم قالته. وإن سأل بذلتم سألته، يحكم في رقابكم وأموالكم كأنكم عجائز صلع وإماء قصع، فبدأ مفلتاً لابن أبي قحافة بإرث نبيكم على بعد رحمه، وضيق يده، وقلة عدده. فوقى اللَّه شرها، زعم للَّه درّه ما أعرفه ما صنع أو لم يخصم الأنصار بقيس، ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذافة، يتمايل بكم يميناً وشمالاً. قد خطب عقولكم، واستمهر وجلكم، ممتحناً لكم، ومعترفاً أخطاركم، وهل تسمو هممكم إلى منازعة. ولولا تيك لكان قسمه خسيساً، وسميه تعيساً. لكن بدأ بالرأي، وثنَّى بالقضاء، وثلث بالشورى، ثم غدا سامراً مُسلطاً درته على عاتقه، فتطأطأتم له تطأطؤ الحِقة. ووليتموه أدباركم حتى علا أكتافكم. فلم يزل ينعق بكم في كل مرتع، ويشدد منكم على كل مخنقٍ، ويتورط بالحوباء. عرفتم أو نكرتم لا تألمون ولا تستنطقون. حتى إذا عاد الأمر فيكم، ولكم، وإليكم، في مونِقَةٍ من العيش عرقها وشيج، وفرعها عميم، وظلها ظليل. تتناولون من كثب ثمارها أنَّى شئتم رغداً، وجلبت عليكم عشارُ الأرض درراً، واستمرأتم أكلكم من فوقكم ومن تحت أرجلكم من خصب غدق وامق شرق. تنامون في الخفض، وتستلينون الدَّعة. ومقتَّم زبرجة الدنيا وحرجتها. واستحليتم غضارتها ونضرتها. وظننتم أن ذلك سيأتيكم من كثب عفواً. ويتحلب عليكم رسلاً، فانتضيتم سيوفكم، وكسرتم جفونكم. وقد أبى اللَّه أن تُشام سيوف جُردت بغياً وظلماً، ونسبتم قول اللَّه عز وجل:{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذَا مَسُّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً}[المعارج: ١٩ ٢١] فلا يهنئكم الظفر. ولا يستوطن بكم الظلم إلا على رجلين، ولا ترن القوس إلا على سيتين، فأثبتوا على الغرز أرجلكم، فقد ضللتم هداكم في المتيهة الخرقاء، كما أضل أدحية الحل. وسيعلم كيف تكون إذا كان الناس عباديد. وقد نازعتكم الرجال، واعترضت عليكم الأمور، وساورتكم الحروب بالليوث، وقارعتكم الأيام بالجيوش، وحمى عليكم الوطيس. فيوماً تدعون من لا يجيب ويوماً تجيبون من لا يدعو. وقد بسط باسطكم كلتا يديه يرى ⦗٢١٤⦘ أنهما في سبيل اللَّه، فيد مقبوضة وأخرى مقصورة، والرؤوس تنزو عن الطلي والكواهل، كما ينقف التنوم. فما أبعد نصر اللَّه من الظالمين، وأستغفر اللَّه مع المستغفرين.