للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- بدء الطعن على عثمان رضي اللَّه عنه (١) :

أقام عبد اللَّه بن سعد بذات الصَّوَاري بعد الهزيمة أياماً، ورجع فكان أول ما تكلم به "محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن (٢) أبي بكر (٣) " في أمر عثمان في هذه الغزوة، وأظهروا عيبه، ⦗٧٦⦘ وما غيَّر وما خالف به أبا بكر وعمر، ويقولان: إنه استعمل عبد اللَّه بن سعد رجلاً كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أباح دمه، ونزل القرآن بكفره، وأخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قوماً وأدخلهم. ونزع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. واستعمل سعيد بن العاص (٤) وابن عامر. فبلغ ذلك عبد اللَّه بن سعد فقال: ألا تركبا معنا؟ فركبا في مركب ما معهما إلا القبط، فلقوا العدو، فكانا أقل المسلمين نكاية وقتالاً، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع عبد اللَّه بن سعد، استعمله عثمان وعثمان فعل كذا وكذا؟ فأرسل إليهما عبد اللَّه ينهاهما، ويتهددهما، ففسد الناس بقولهما، وتكلموا ما لم يكونوا ينطقون به.

وروي أن محمد بن أبي حذيفة جعل يقول للرجل: أما واللَّه لقد تركنا خلفنا الجهاد حقاً، فيقول الرجل: وأيّ جهاد، فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا وكذا. واستحل كلاهما دم عثمان.

ولد محمد بن أبي حذيفة بأرض الحبشة على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خال معاوية بن أبي سفيان أخذه عثمان بن عفان عنده بعد أن قتل أبوه حذيفة فكفله إلى أن كبر، ثم سار إلى مصر فصار من أشد الناس تأليباً على عثمان ⦗٧٧⦘.

وأما محمد بن أبي بكر فقد ولد في حجة الوداع بذي الحليفة لخمس بقين من ذي العقدة، والذي دعا محمد بن أبي حذيفة إلى الخروج على عثمان أنه كان يتيماً في حجر عثمان، فسأله عثمان العمل حين ولي، فقال: يا بني لو كنت رضًى، ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك. قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني. قال: اذهب حيث شئت، وجهَّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغير عليه أن منعه الولاية.

ثم إن الذي دعا محمد بن أبي بكر إلى الطعن في عثمان أن محمداً كانت عليه دالة، فلزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره ولم يُدْهِن فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمماً بعد أن كان محمداً.


(١) المسعودي، مروج الذهب ج ٢/ص ٣٤٧.
(٢) هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن مناف، صحابي من الأمراء، ولد بأرض الحبشة في عهد النبوة، استشهد أبوه يوم اليمامة، فربَّاه عثمان بن عفان، فلما شَبَّ رغب في غزو البحر فجهزه عثمان وبعثه إلى مصر، فغزا غزوة الصواري مع عبد اللَّه بن سعد، ولما عاد منها جعل يتألف الناس، وأظهر خلاف عثمان، فرأسوه عليهم، فوثب على والي مصر عقبة بن عامر سنة ٣٥ هـ. وأخرجه من الفسطاط، دعا إلى خلع عثمان، فكتب إليه يذَّكره بتربيته له ويعاتبه، فلم يرتجع، سيَّر جيشاً إلى المدينة فيه ستمائة رجل كانت لهم يد في مقتل عثمان، أقره عليٌّ على إمارة مصر، ولما أراد معاوية الخروج إلى صفِّين بدأ بمصر، فقاتله محمد في العريش، ثم تصالحا، فاطمأن محمد، فلم يلبث معاوية أن قبض عليه وسجنه في دمشق، ثم أرسل إليه من قتله في السجن سنة ٣٦ هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة ٧٧٦٩.
(٣) هو محمد بن عبد اللَّه (أبو بكر الصديق) بن عثمان بن عامر التميمي القرشي، أمير مصر، وهو ابن الخليفة الأول أبو الصديق كان يدعى: "عابد قريش" ولد بين المدينة ومكة في حجة الوداع، نشأ في المدينة في حجر علي بن أبي طالب - وكان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبيه - وشهد مع علي وقعتي الجمل وصفِّين، وولاه على إمارة مصر، بعد موت الأشتر، فدخلها سنة ٣٧ هـ. ولما اتفق علي ومعاوية على التحكيم فات علياً أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر، انصرف علي يريد العراق، فبعث معاوية عمرو بن العاص بجيش من أهل الشام إلى مصر، فدخلها حرباً، بعد معارك شديدة، واختفى ابن أبي بكر، فعرف معاوية بن خديج مكانه، فقبض عليه وقتله وأحرقه لمشاركته في مقتل عثمان بن عفان، وقيل: لم يحرق. دفنت جثته مع رأسه في مسجد يعرف بمسجد زمام خارج مدينة الفسطاط. للاستزادة راجع: الولاة والقضاة ص ٢٦، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٤٠، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٦/ص ٥٣، ابن إياس ج ١/ص ٢٦.
(٤) هو سعيد بن العاص بن أمية، الأموي، القرشي، ولد سنة ٣ هـ، صحابي من الأمراء، الولاة، الفاتحين، ربيَّ في حجر عمر بن الخطاب، ولاه عثمان الكوفة وهو شاب، فلما بلغها خطب في أهلها ونسبهم إلى الشقاق والخلاف، فشكوه إلى عثمان، فاستدعاه إلى المدينة فأقام فيها إلى أن كانت الثورة عليه، فدافع سعيد عنه وقاتل دونه إلى أن قتل عثمان، فخرج إلى مكة، فأقام إلى أن ولي معاوية، فعهد إليه بولاية المدينة، فتولاَّها إلى أن مات، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، توفي سنة ٥٩ هـ، حسب قول الذهبي في تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٥٩ هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة ٣٢٦١، طبقات ابن سعد ج ٥/ص ١٩، تهذيب ابن عساكر ج ٦/ص ١٣١، تاريخ الإسلام ج ٢/ص ٢٦٦، آثار المدينة المنورة للأنصاري ص ٣٧.

<<  <   >  >>