للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- تولية سعيد بن العاص الكوفة (١) (سنة ٣٠ هـ/ ٦٥١ م) : ⦗٨١⦘

هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، الأموي، وجده هو المعروف بأبي أحيحة. وأم سعيد هي أم كلثوم بنت عمرو بن عبد اللَّه بن أبي قيس. ولد عام الهجرة. وقيل: بل ولد سنة إحدى. وقتل أبوه العاص يوم بدر كافراً، قتله عليّ بن أبي طالب. وكان سعيد من أشراف قريش وأجوادهم وفصحائهم، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان رضي اللَّه عنه. وكان كثير الجود والسخاء، إذا سأله سائل وليس عنده ما يعطيه كتب به ديناً إلى وقت ميسرته. وكان يجمع إخوانه كل جمعة يوماً فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم، ويرسل إليهم بالجوائز، ويبعث إلى عيلاتهم بالبر الكثير، وكان يبعث مولى له إلى المسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة ومعه الصرر فيها الدنانير، فيضعها بين يدي المصلين، فكثر المصلون بالمسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة، إلا أنه كان عظيم الكبر. وإن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.

توفي سعيد سنة ٥٩ هـ، ولما حضرته الوفاة قال لبنيه: "أيكم يقبل وصيتي؟ قال ابنه الأكبر: أنا يا أبت. قال: إن فيها وفاء ديني. قال: وما دينك؟ قال: ثمانون ألف دينار. قال: وفيما أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خلته. وفي رجل جاءني ودمه ينزوي في وجهه من الحياء، فبدأته بحاجته قبل أن يسألنيها". وكان سعيد قد ربيَّ في حجر عثمان، فلما فتح الشام قدمه فأقام مع معاوية. فذكر عمر يوماً قريشاً، فسأل عنه، فأخبر أنه بالشام فاستقدمه، فقدم عليه. فقال له: بلغني عنك بلاء وصلاح، فازدد يزدك اللَّه خيراً، وقال له: هل لك زوجة؟ قال: لا. وجاء عمر بنات سفيان بن عوف ومعهن أمهن فقالت أمهن: هلك رجالنا، وإذا هلك الرجال ضاع النساء فضعهن في أكفائهن، فزوَّج سعيداً إحداهن، وزوَّج عبد الرحمن بن عوف الأخرى، وأتاه بنات مسعود بن نعيم النهشلي فقلن له: قد هلك رجالنا وبقي الصبيان فضعنا في أكفائنا. فزوَّج سعيداً إحداهن، وجبير بن مطعم الأخرى، وكانت عمومته ذوي بلاء في الإسلام وسابقة فلم يمت عمر حتى كان سعيد من رجال قريش. فلما استعمله عثمان سار حتى أتى الكوفة أميراً ورجع ومعه الأشتر، وأبو خشة الغفاري، وجندب بن عبد اللَّه، وأبو مصعب بن جثامة، وكانوا ممن شخص مع الوليد يعيبونه فصاروا عليه.

ولما وصل سعيد الكوفة صعد المنبر (٢) فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم ⦗٨٢⦘ قال (٣) : "واللَّه لقد بعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد بداً إذا أمرت أن آتمر، إلا أن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها وواللَّه لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني، وإني لرائد نفسي اليوم".

ثم نزل وسأل عن أهل الكوفة فعرف حال أهلها. وهذه الخطبة إنذار لأهل الكوفة بأنه سيستعمل الشدة معهم.


(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٠٨، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٢/ص ٣.
(٢) قبل أن يصعد سعيد المنبر أمر بغسله فقال: اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجساً نجساً فلم يصعده حتى غسل، عيباً على الوليد.
(٣) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥.

<<  <   >  >>