قال ابن طاهر: حدثوني عن عبد الله بن مالك قال: كنت أتولى الشرطة للمهدي وكان يبعث إليّ في ندماء الهادي ومغنّيه أني أضربهم وأحبسهم صيانة له عنهم، فبعث الهادي يسألني الرفق بهم والترفيه عنهم، فلا ألتفتُ إلى ذلك وأمضي إلى ما يأمر به المهدي، فلما ولي الهادي الخلافة أيقنت بالتلف فبعث إليّ يوماً فدخلت عليه متكفّناً متحنّطاً، فإذا هو على كرسي والنطع والسيف بين يديه، فسلّمت فقال: لا سلم الله عليك! تذكر يوم بعثت إليك في أمر الحرّاني لما أمر أمير المؤمنين، رضي الله عنه، بضربه فلم تجبني في فلان وفي فلان، وجعل يعدّ ندماءه، ولم يلتفت إلى قولي؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي في استيفاء الحجة؟ قال: نعم، قلت: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أيسرك أن ولّيتني ما ولاني أبوك وأمرتني بأمر فبعث إليّ بعض بنيك بأمر يخالف أمرك فاتبعت أمره وعصيت أمرك؟ قال: لا، قلت: فكذلك أنا لك وكذا لأبيك وأخيك. فاستدناني فقبّلت يده وأمر بخُلع فصبّت عليّ وقال: قد وليتك ما كنت تتولاه فامض راشداً. فخرجت من عنده وصرت إلى منزلي مفكراً في أمره وأمري وقلت حدثٌ والقوم الذين عصيته في أمرهم ندماؤه ووزراؤه وكتّابه فكأني بهم حين يغلب عليه الشراب وقد أزالوه عن رأيه فيّ وحملوه في أمري ما كنت أتخوّفه، قال: فإني لجالس وبين يديّ بنيّة لي والكانون بين يدي ورقاق أشطره بكامخ وأسخنه وأطعمه الصبية حتى توهّمت أن الدنيا قد اقتلعت بي وزلزلت لوقع حوافر الدواب وكثرة الضوضاء فقلت: هاه كان والله ما ظننت! فإذا الباب قد فتح وإذا الخدم قد دخلوا وإذا أمير المؤمنين الهادي على حمار في وسطهم، فلما رأيتهم وثبت عن مجلسي مبادراً وقبّلت يده ورجله وحافر حماره، فقال: يا أبا عبد الله إني فكرت في أمرك فقلت يسبق إلى قلبك أني إذا شربت وجاءني أعداؤك أزالوا ما حسن من رأيي فيك فأقلقك وأوحشك فصرت إلى منزلك لأؤنسك وأعلمك أن السخيمة قد زالت عن قلبي فهات اطعمني ما كنت تأكل وافعل فيه ما كنت تفعل لتعلم أني قد تحرمت بطعامك وأنست بمنزلك فيزول خوفك ووحشتك. فأدنيت إليه ذلك الرقاق والسُّكُرّجة التي فيها الكامخ فأكل منها ثم قال: هاتوا الزلة التي زللتها لأبي عبد الله من مجلسي، فأدخل إليّ أربعمائة بغل موقرة دراهم، فقال: هذه زلّتك فاستعن بها على أمرك واحفظ هذه البغال عندك فلعلي أحتاج إليها لبعض أسفاري، وانصرف راجعاً. فأخبرني موسى بن عبد الله أن أباه أعطاه بستانه الذي كان وسط داره فبنى حوله معالف لتلك البغال وكان هو يتولى القيام عليها مدّة حياة الهادي.