وَصله ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا سُلَيْمَان بن التَّيْمِيّ عَن بكر، قَالَ:(رَأَيْت ابْن عمر عصر بثرة فِي وَجهه فَخرج مِنْهَا شَيْء من دم، فحكه بَين إصبعيه ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ) . (البثرة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَيجوز فتحهَا وَهُوَ خَرّاج صَغِير. يُقَال: بثر وَجهه، وَهَذَا الْأَثر حجَّة للحنفية، لِأَن الدَّم الْخَارِج بالعصر لَا ينْقض الْوضُوء عِنْدهم لِأَنَّهُ مخرج، والنقض يُضَاف إِلَى الْخَارِج دون الْمخْرج كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كتبهمْ، فَإِن فَرح أحد من الْخُصُوم أَنه حجَّة على الْحَنَفِيَّة فَهِيَ فرحة غير مستمرة.
وبَزَقَ ابنُ أبي أوْفَى دَماً فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ
ابْن أبي أوفى: اسْمه عبد الله، وَأَبُو أوفى اسْمه: عَلْقَمَة بن الْحَارِث الصَّحَابِيّ بن الصَّحَابِيّ، شهد بيعَة الرضْوَان وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَثَمَانِينَ، وَقد كف بَصَره، وَهُوَ أحد من رَآهُ أَبُو حنيفَة من الصَّحَابَة وروى عَنهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول الْمُنكر المتعصب: وَكَانَ عمر أبي حنيفَة حِينَئِذٍ سبع سِنِين، وَهُوَ سنّ التَّمْيِيز. هَذَا على الصَّحِيح إِن مولد أبي حنيفَة سنة ثَمَانِينَ، وعَلى قَول من قَالَ: سنة سبعين، يكون عمره حِينَئِذٍ سَبْعَة عشر سنة، ويستبعد جدا أَن يكون صَحَابِيّ مُقيما ببلدة، وَفِي أَهلهَا من لَا يكون رَآهُ وَأَصْحَابه أخبر بِحَالهِ وهم ثِقَات فِي أنفسهم قَوْله:(بزق) ، بالزاي وَالسِّين وَالصَّاد: بِمَعْنى وَاحِد، وَهَذَا الْأَثر وَصله سُفْيَان الثَّوْريّ، وَفِي (جَامعه) عَن عَطاء بن السَّائِب أَنه رَآهُ يفعل ذَلِك، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد جيد عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: رَأَيْت ابْن أبي أوفى بزق دَمًا هُوَ يُصَلِّي ثمَّ مضى فِي صلَاته، وَهَذَا لَيْسَ بِحجَّة لَهُم علينا، لِأَن الدَّم الَّذِي يخرج من الْفَم، إِن كَانَ من جَوْفه فَلَا ينْقض وضوءه، وَإِن كَانَ من بَين أَسْنَانه فالاعتبار للغلبة بالبزاق وَالدَّم، وَلم يتَعَرَّض الرَّاوِي لذَلِك، فَلم يبْق حجَّة. وَالْحكم بالغلبة لَهُ أصل وروى ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي رجل بزق فَرَأى فِي بزاقه دَمًا أَنه لم يرد ذَلِك شَيْئا حَتَّى يكون عبيطاً، وَرُوِيَ عَن ابْن سِيرِين أَنه رُبمَا بزق فَيَقُول لرجل: أنظر هَل تغير الرِّيق؟ فَإِن تغير، بزق الثَّانِيَة، فان كَانَ فِي الثَّانِيَة متغيراً فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ، وَإِن لم يكن فِي الثَّانِيَة متغيراً لم ير وضوأً. قلت: التَّغَيُّر لَا يكون إلَاّ بالغلبة.