. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالصُّلْح عَنْ دَم الْعَمْد فَحُكْمه حُكْم الْمَمْلُوك بِعَقْدِ الْبَيْع وَمَا مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَض كَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّة وَالْهِبَة فَالتَّصَرُّف فِيهِ جَائِز قَبْل قَبْضه
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه فِي سَفَر فَكُنْت عَلَى بَكْر صَعْب لِعُمَر فَكَانَ يَغْلِبنِي فَيَتَقَدَّم أَمَام الْقَوْم فَيَزْجُرهُ عُمَر وَيَرُدّهُ ثُمَّ يَتَقَدَّم فَيَزْجُرهُ وَيَقُول لِي أَمْسِكْهُ لا يتقدم بين يدي النبي فقال له رسول الله بعنيه ياعمر
فقال هو لك يا رسول الله
قَالَ بِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمالك يَا عَبْد اللَّه فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت فَهَذَا تَصَرُّف فِي الْمَبِيع غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون قَبْل قَبْضه
قَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا رَيْب أَنَّ هَذَا تَصَرُّف فِيهِ بِالْهِبَةِ لَا بِالْمُعَاوَضَةِ
وَنَحْنُ لَنَا فِي مِثْل هَذَا التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض خِلَاف فَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يُجَوِّزهُ وَنُفَرِّق بَيْن التَّصَرُّف فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّصَرُّف بِالْهِبَةِ
وَنُلْحِق الْهِبَة بِالْعِتْقِ وَنَقُول هِيَ إِخْرَاج عَنْ مِلْكه لَا تَتَوَالَى فِيهِ ضَمَانَات وَلَا يَكُون التَّصَرُّف بِهَا عرضة لِرِبْحٍ مَا لَمْ يُضْمَن بِخِلَافِ الْبَيْع وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ مَنَعَهَا وَقَالَ الْعِلَّة الْمَانِعَة مِنْ بَيْعه قَبْل قَبْضه عَدَم اِسْتِقْرَار الْمِلْك وَضَعْفه وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن تَصَرُّف وَتَصَرُّف فَإِنْ صَحَّ الْفَرْق بَطَلَ الْقَبْض وَإِنْ بَطَلَ الْقَبْض سَوَّيْنَا بَيْن التَّصَرُّفَات وَعَلَى هَذَا فَالْحَدِيث لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض إِذْ قَبْض ذَلِكَ الْبَعِير حَصَلَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنه مَعَ تَمَيُّزه وَتَعَيُّنه وَهَذَا كَافٍ فِي الْقَبْض فَصْل
وَقَدْ ذُكِرَ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْع مَا لَمْ يُقْبَض عِلَّتَانِ
إِحْدَاهُمَا ضَعْف الْمِلْك لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ اِنْفَسَخَ الْبَيْع
وَالثَّانِيَة أَنَّ صِحَّته تُفْضِي إِلَى تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ فَإِنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي
الْأَوَّل عَلَى الْبَائِع الْأَوَّل وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِع الثَّانِي فَكَيْف يَكُون الشَّيْء الْوَاحِد مَضْمُونًا لِشَخْصٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَذَانِ التَّعْلِيلَانِ غَيْر مَرْضِيَّيْنِ
أَمَّا الْأَوَّل فَيُقَال ما تعندون بِضَعْفِ الْمِلْك هَلْ عَنَيْتُمْ بِهِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَب يُوجِب فَسْخه يَنْفَسِخ بِهِ أَوْ أَمْرًا آخَر فَإِنْ عَنَيْتُمْ الْأَوَّل فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ مَانِع مِنْ صِحَّة الْبَيْع وَأَيّ مُلَازَمَة بَيْن الِانْفِسَاخ بِسَبَبٍ طَارِئ وَبَيْن عَدَم الصِّحَّة شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِضَعْفِ الْمِلْك أَمْرًا آخَر فَعَلَيْكُمْ بَيَانه لِنَنْظُر فِيهِ
وَأَمَّا التَّعْلِيل الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا تَظْهَر فِيهِ مُنَاسَبَة تَقْتَضِي الْحُكْم فَإِنَّ كَوْن الشَّيْء مَضْمُونًا عَلَى الشَّخْص بِجِهَةٍ وَمَضْمُونًا لَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْر مُمْتَنِع شَرْعًا وَلَا عَقْلًا وَيَكْفِي فِي رَدّه أَنَّهُ لَا دَلِيل عَلَى اِمْتِنَاعه كَيْف وَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَة مَا اِسْتَأْجَرَهُ وَالْمَنْفَعَة مَضْمُونَة لَهُ عَلَى الْمُؤَجِّر وَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ الثِّمَار بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا إِذَا بِيعَتْ عَلَى أُصُولهَا