للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَاعْلَم أَنهم إِنَّمَا أَرَادوا أَن الْعلم لَا يُؤثر تَأْثِير الْقُدْرَة فِي إِيجَاد المعلومات وَفعل المأمورات وَلم يُرِيدُوا نفي كل تَأْثِير للْعلم مُطلقًا فان الْعلم يُؤثر تَأْثِير الدَّوَاعِي والصوارف مِثَاله أَن من علم أَن الْعقَاب يحصل على ترك الصَّلَوَات وَالثَّوَاب الْعَظِيم يحصل على فعلهَا كَانَ علمه ذَلِك مرجحا لفعلها على تَركهَا مؤثرا فِي وُقُوعهَا من الْعَالم بذلك أَلا ترَاهُ لَا يَتْرُكهَا مَعَ أَن تَركهَا أسهل مَا ذَاك إِلَّا لترجيح الْعلم نعم وَقد ذكرت فِي العواصم غير هَذِه الْوُجُوه فِي أَن الْعلم غير مُؤثر تَأْثِير الْقُدْرَة وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مُخْتَار فِي الْمُجْتَبى جود الْكَلَام فِي ذَلِك وَذكرت فِي العواصم وَجها حسنا فِي افحام من يحْتَج على الله تَعَالَى بِالْعلمِ من المبتدعة والملاحدة وَذَلِكَ أَنا لَو سلمنَا تَسْلِيم جدل أَنه مُؤثر ومانع من خِلَافه منع اسْتِحَالَة لزم أَن تكون حجَّة الله تَعَالَى على عَذَاب العصاة لِأَن الْعلم بِأَفْعَال الله تَعَالَى كَمَا يتَعَلَّق بِأَفْعَال عباده إِجْمَاعًا فَكَمَا أَنهم لَا يستحسنون من الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة أَن يَقُول إِنَّمَا عذبتكم لسبق علمي بذلك فَكَذَلِك لَا يحسن مِنْهُم أَن يَقُولُوا إِنَّمَا عصيناك لسبق علمك بذلك وَإِن حسن ذَلِك مِنْهُم كَانَ من الله أحسن

وَيلْحق بِهَذِهِ أُمُور يشْتَد تعجب الْعَاقِل مِنْهَا

أَحدهَا أَن مَذْهَب الْغَزالِيّ نَفسه أَن التَّكْلِيف بالمحال لذاته لَا يجوز على الله وَهُوَ مَشْهُور عَنهُ فِي شرح الْمُنْتَهى وَجمع الْجَوَامِع وَغَيرهمَا حَتَّى ذكرُوا أَن حجَّته على ذَلِك هِيَ حجَّة ابْن الْحَاجِب وَإِنَّمَا أَرَادَ الْغَزالِيّ بِالْوَصِيَّةِ بذلك فِي إحْيَاء عُلُوم الدّين الْمُوَافقَة لعقيدة الاشعرية على أَن ذَلِك لم يَصح قطّ عَن الاشعري وَلَا لذَلِك عَنهُ أصل صَحِيح كَمَا أوضحته فِي العواصم وَلذَلِك صدر ابْن الْحَاجِب الْمَسْأَلَة بِأَن التَّكْلِيف بالمحال لَا يجوز ثمَّ قَالَ وَنسب خِلَافه إِلَى الاشعري على صِيغَة مَا لم يسم فَاعله ثمَّ ذكر أَن ذَلِك نسب إِلَى الْأَشْعَرِيّ على جِهَة الالزام لَهُ لَا أَنه نَص على ذَلِك ثمَّ تعصب أَصْحَاب الاشعري لَهُ على توهم أَنه مذْهبه وقدموه على نُصُوص كتاب الله تَعَالَى ونصوص رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة فانا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون

وَثَانِيهمَا أَن الْغَزالِيّ ذكر فِي كِتَابه الاقتصاد فِي الِاعْتِقَاد تَأْوِيل ذَلِك بِمَا يُخرجهُ عَن مَحل النزاع وَيَقْتَضِي جمع الْكَلِمَة على نَفْيه عَن الله سُبْحَانَهُ

<<  <   >  >>