للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه السياق القرآني لأنه تعالى نفى الشفاعة عن العباد ثم استثنى منهم الموحدين.

الوجه الخامس: اليمين.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١]، قال ابن الجوزي: قاله ابن قتيبة، وقال غيره: هو من المعاهدة على فعل الشيء.

وممن اختار قول ابن قتيبة البغوي، واعتضد بمقالة للسلف؛ حيث قال: «والعهد ها هنا هو اليمين؛ قال الشعبي: «العهد يمين وكفارته كفارة اليمين» (١).

ومن قبله السمرقندي ذكر القولين فقال: «إذا حلفتم بالله فأتموا له بالفعل، ويقال: أوفوا بعهد الله أي العهود التي بينكم وبين الله تعالى والعهود التي بينكم وبين الناس» (٢).

والصحيح أن العهد في الآية عموم العهود فيكون من المعاهدة على فعل الشيء كما أشار إليه ابن الجوزي؛ قال الإمام الشافعي «: فظاهره عام علىكل عقد، ويشبه والله أعلم أن يكون الله تبارك وتعالى، أراد أن يوفوا بكل عقد كان بيمين، أو غير يمين» (٣).

وهو الذي يدل عليه كلام ابن جرير، وصرح به ابن عطية، والقرطبي، والشوكاني، والشنقيطي، والسعدي (٤).

وبقاعدة تقديم التأسيس على التكرار رد الشوكاني الوجه فقال: «وفسره بعضهم باليمين وهو مدفوع بذكر الوفاء بالأيمان بعده حيث قال سبحانه: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١]، أي بعد تشديدها وتغليظها وتوثيقها، وليس المراد اختصاص النهى عن النقض بالأيمان المؤكدة لا بغيرها، مما لا تأكيد فيه؛ فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد منها» (٥).


(١) معالم التنزيل ص ٧١٨.
(٢) تفسير السمرقندي ٢/ ٢٨٨.
(٣) أحكام القرآن للشافعي ٢/ ٦٦.
(٤) جامع البيان ١٤/ ٢٠٠. المحرر الوجيز ٣/ ٥٨٨. الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١١١. فتح القدير ص ٩٣٨. أضواء البيان ٢/ ٤٣٨. تيسير الكريم الرحمن ص ٤٤٨.
(٥) فتح القدير ص ٩٣٨.

<<  <   >  >>