للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحابة - رضي الله عنهم - يدركون هذا الأمر ويتعاملون مع المدعوين على أساسه، فلكل باب مفتاح يختلف عن غيره، ولكل مقام مقال.

فالتعامل مع الكبير غير الصغير، والرجل غير المرأة، والغني غير الفقير، والملأ غير العامة، والأقارب غير الأباعد. وكأن الصحابة يسيرون على ما وجدوه في القرآن، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد اختلفت طرق الدعوة في القرآن مع المدعوين من اللطف واللين، كدعوة موسى - عليه السلام - فرعون، والرحمة والشفقة، كدعوة إبراهيم - عليه السلام - لوالده، والتخويف كما في دعوة هود - عليه السلام - لقومه، ودعوة نوح أيضاً. وتنوعت طرق تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع المدعوين من تلطُّف كما هو مع عمه أبي طالب، ومناظرة كما حصل مع وفد نجران، وصبر كما كان مع مشركي قريش، وقتال كما كان في بدر وأحد وحنين وغيرها، فالدعوة واحدة إلا أن المدعو اختلف، واختلفت أحواله وأوضاعه، مما تطلَّب اختلاف نوع التعامل معه، فكان ذلك منهج الصحابة - رضي الله عنهم - على مدى دعوتهم منذ دخول أولهم الإسلام إلى وفاة آخرهم، مما أعطى مثالاً وفائدةً لكل من جاء بعدهم ليتخذ من منهجهم قاعدة في التعامل مع المدعوين حسب أحوالهم وأصنافهم.

[الفائدة الرابعة: أن هداية المدعوين قد لا تحصل في كل حال]

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (١)، وقال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (٢)، الهداية


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٧٢.
(٢) سورة النحل، الآية: ٣٧.

<<  <   >  >>