للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت له: في دون ما بك ما يفحم عن الشعر. قال: صدقت، ولكن البرق أنطقني. قال: ثم والله ما لبث يومه ذلك تاماً حتى مات قبل الليل، ما يتهم عليه غير الوجد.

أخبرنا محمد قال: وثنا أبو العباس قال: حدثني عبد الله قال: حدثني محمد بن عيسى، عن فليح بن إسماعيل، قال: حدثني عبد الله ابن صالح سنة ثنتين وستين ومائة، قال حدثني عمي سليمان بن علي، عن عكرمة قال: إني لمع ابن عباس بعرفة إذ فتية أدمان يحملون فتى في كساء، معروق الوجه، ناحل البدن، له حلاوة؛ حتى وضعوه بين يدي ابن عباس، وقالوا له: استشف له يا ابن عم رسول الله. قال: فقال ابن عباس: وما به؟ فأنشأ الفتى يقول:

بنا من جوى الأحزان والوجد لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب

اللوعة: الحرقة في الجوف.

ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به عود هناك صليب

فأقبل ابن عباس على عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد ابن عبد العزى فقال: أخذ هذا البدوي العود علينا وعليك. قال: فحملوه، فخفت في أيديهم فمات، فقال ابن عباس: رحمه الله، هذا قتيل الحب، لا عقل ولا قود. قال عكرمة: فما رأيت ابن عباس سأل الله عز وجل في عشيته حتى المساء إلا العافية مما ابتلى به الفتى.

قال أبو العباس: يقال إن قريشاً أصلب العرب عوداً، فقال ابن العباس حين ذكر الفتى صلابة عوده: أخذ البدوى العود علينا وعليك.

أخبرنا محمد، ثنا أبو العباس قال: حدثني زبير قال: حدثني عاصم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رحمه الله، عن أبيه؛ وحدثنيه يونس بن عبد الله بن سالم الخياط، عن مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص، أن رجلا من بني كلاب يكنى أبا حبال، نزل على عبد الله بن عمر بن حفص، ومعه ابنه حبال، فمرض ابنه ثم مات. قال عبد الله: فأمرنا أن نكفنه. فكفناه وحنطناه، فلما فرغنا من أمره استأذن أبوه أبى أن يدخل عليه فيسلم عليه، فأذن له فدخل فانكب عليه، فسمعناه يقول:

فلولا حبال لم تنخ بي مطيتي ... بأرض بها الحمى ببرد وصالب

وقائلة أرداك، والله، حبه ... بنفسي حبال من خليل وصاحب

فجعل يردد ذلك، ثم فقدنا صوته، فقال لنا أبي: انظروا، فإني والله أحسبه قد مات. فدخلنا فوجدناه ميتاً، فجهزناه وحملناه مع ابنه.

أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:

وكانت لهم ربعية يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السماء القنابل

قال: فرق بين القنابل والقبائل، فالقنابل: جمع قنبلة، والقبائل: جمع قبيلة. والربعية: غزوة في الربيع.

قال: والعرام والعراق واحد. ويقال عرمنا الصبي وعرم، من العرامة والعرامة الاسم. وهو عارم وعرم. والعرامة: الفساد.

وأنشد:

داوبها ظهرك من ملاله ... من خزرات فيه وانخزاله

كما يداوى العر من أكاله داو بها الهاء والألف عائدتان على دلو. وقوله هذا له، على الاستهزاء والهزل، يقول: داو ظهرك من علته ودائه بالدلو.

أنشد:

قلت أجيبي عاشقاً ... بحبكم مكلف

أي بحبكم تكليفه. ومثله: لو كان ذا منك قبل اليوم معروف أي معرفته.

السحوف: التي ذهب شحمها؛ سحف أي ذهب.

وأنشد:

إذا لم تكن حاجاتنا في نفوسنا ... لإخواننا لم تغن عنا الرتائم

الرتيمة: ما يعقد في اليد للتذكرة: والرتيمة أن يعقد الرجل إذا أراد سفراً شجرتين، فإذا رجع فوجدهما على ما كانتا عليه قال: قد وفت امرأته، وإذا لم يجدها قال: قد نكثت.

قال: إذا أردت أن تحول الماضي إلى الدائم فأعمله بالذي قبلا، فإنه الأصل.

وقال أبو العباس: الفارة من المسك غير مهموزة، ومن غيرها مهموزة.

وأنشد:

لها فارة ذفراء كل عشية ... كما فتق الكافور بالمسك فاتقه

الذفر من الطيب والنتن جميعاً، والذفر من النتن لا غير.

وأنشد:

أرتنى حجلاً على ساقها ... فهش الفواد لذاك الحجل

فقلت ولم أخف من صاحبي ... ألا بأبي أصل تلك الرجل

يريد بالحجل الخلخال، وإنما ثقله وثقل الرجل لاضطرار القافية.

<<  <   >  >>