وأما ستة شوال فالخبر فيها محتمل، وذلك أن من، في قوله:" من شوال " كما تحتمل البيان، تحتمل ابتداء الغاية في الزمان، والأصل أن تعيين الزمن في الصوم، إنما يكون لتخصيصه بذلك فعلا في عمل النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كما في الثلاث من كل شهر، أو لقول يقتضي ذلك، كالخبر عن صيامه بأجر خاص، كما في عاشوراء مثلا، وعرفة، كما تقدم، أو لعظمة الزمان، وفضل القربات كلها فيه، عليها في غيره، كما في عشر ذي الحجة، ولم يأت شيء من هذا في ست شوال، والعلة المذكورة في الحديث ـ وهي أن رمضان بمثابة عشر أشهر من السنة، والستة بمثابة شهرين، فإذا فعل كان كمن صام السنة كلها ـ تقتضي عدم الاختصاص، لحصول هذه المضاعفة في كل أشهر السنة، كما تقتضيه عمومات نصوص التضعيف، وهو صريح أيضا في حديث الأمر بصيام ثلاثة من كل شهر، وقد قال مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، قال: ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: وطلب العلم البيت، معناه أن طلب العلم فريضة على الكفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، إلا ما يلزم الإنسان في خاصة نفسه فتعلمه واجب عليه عينا، وفي الحديث الشريف " طلب العلم فريضة على كل مسلم "(١).
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وفرض العين منه ما لا يؤمن الهلاك مع جهله دينا ودنيا، وفرض الكفاية ما لا تعلق له به في الحال، مع تعلق الغير به، أو توقعه في المآل، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله سبحانه وتعالى فيه، ولا يلزمه التوسع إلا قدر ما تعلق به فقط.