للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا بالعقاب آجلا إِنَّمَا جَاءَت هَذِه الْعبارَة فِي كَلَام النفاة بِمَا نسبوه إِلَى المثبتين فَقُلْنَا نَحن إِنَّه يَصح تَسْمِيَة الْمَدْح بالْحسنِ إثابة من الْعباد لمن أحسن وَلَيْسَ المُرَاد الإثابة من الله قطعا إِذْ الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي كل شَرِيعَة شرعها الله وَلذَا لم يقل أحد من المثبتين إِن الْعقل يدْرك الْعقَاب آجلا إِذْ لَا تعرف أَحْكَام الآجل إِلَّا من رسل الله بعد التشريع

وَإِنَّمَا الْعقل يدْرك قبح الظُّلم بِمَعْنى أَنه يسْتَحق فَاعله الذَّم من الْعباد لاتصافه بالقبيح أَو بِصفة النَّقْص أَو بِصفة الْكَمَال وَالشَّرْع جَاءَ مقررا لهَذَا ومخبرا بالعقاب الأخروي وَالثَّوَاب الأخروي وَالْأول للْأولِ وَالثَّانِي للثَّانِي وَبِهَذَا عرفت اتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ المثبتين والنفاة على إِدْرَاك الْعقل لما ذكر وَلذَا قُلْنَا

لَو انصف النظار لم يصبحوا

فِي كل بحث فرقا شَتَّى ... إِن طَرِيق الْحق مَعْرُوفَة

لَا عوج فِيهَا وَلَا أمتا

أنشدناهما بعد تَحْرِير هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الرسَالَة الْمُسَمَّاة بالأنفاس اليمنية الَّتِي أرسلناها إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سنة ١١٢٩ هـ وَأما بسطها وَبسط أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ مَعَ الْوَهم فِي تَحْرِير مَحل النزاع فقد أودعناه فِي حَاشِيَة الْغَايَة لِأَنَّهُ بسط هُنَاكَ الْأَقْوَال وَنشر ألوية الجلاد

وَاعْلَم أَن المثبتين أَكثر الْأمة لَيْسَ هم الْمُعْتَزلَة خَاصَّة بل قَالَ بالتحسين والتقبيح الْحَنَابِلَة وَالْحَنَفِيَّة الماتريدية وَعَامة الْمُحَقِّقين من الأشعرية وَالْكَلَام فِي ذَلِك مَعْرُوف فَلَا نطيل نَقله لَكِنَّهَا اشتهرت الْمَسْأَلَة بِأَن الْمُعْتَزلَة يثبتونها والأشعرية ينفونها وَالتَّحْقِيق مَا أسلفناه من الِاتِّفَاق والتوفيق بيد الخلاق وَلَعَلَّه يعجب من يرى هَذَا الْكَلَام من تهويلنا فِي الْمَسْأَلَة مِمَّن لَا يعرف غور نَفيهَا فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ بعض أَئِمَّة الْمُحَقِّقين إِن نَفيهَا يفْتَتح سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج يخرج مِنْهُ كل

<<  <   >  >>