للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَن يَظُنّهُ من أهل الدّين بِمَا يرَاهُ من اجْتِمَاع الْجَمَاعَات على سُؤَاله واستفتائه وَبِمَا يرَاهُ من سمات السّتْر وَالدّين وَلَا شُبْهَة فِي أَنه لَيْسَ للعامي أَن يستفتي من يَظُنّهُ غير عَالم وَلَا متدين بل يجوز لَهُ أَن يستفتي كل من يرى مِمَّن لَا يَظُنّهُ عَالما وَإِنَّمَا أَخذ عَلَيْهِ هَذَا الْقدر من الظَّن لِأَنَّهُ مُمكن لَهُ كَمَا أَن الِاجْتِهَاد فِي الْأَدِلَّة مُمكن للْعَالم

فَأَما مَا يجب على الْعَاميّ إِذا أفتاه أهل الِاجْتِهَاد فَهُوَ أَنهم إِن اتَّفقُوا وَجب على المستفتي الْمصير إِلَى الْفَتْوَى الَّتِي اتَّفقُوا عَلَيْهَا وَإِن اخْتلفُوا وَجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي أعلمهم وأدينهم لِأَن ذَلِك طَرِيق قُوَّة ظَنّه وهم مُمكن لَهُ فَجرى مجْرى قُوَّة ظن الْمُجْتَهد فِي الْمسَائِل

وَقد حُكيَ عَن قوم أَنهم أسقطوا عَنهُ الِاجْتِهَاد وَهُوَ ظَاهر لِأَن الْعلمَاء فِي كل عصر لَا يُنكرُونَ على الْعَامَّة ترك النّظر فِي أَحْوَال الْعلمَاء فان اجْتهد فِي أحدهم فَاسْتَوَى عِنْده علمهمْ وَدينهمْ كَانَ مُخَيّرا فِي الْأَخْذ بِأَيّ أقاويلهم شَاءَ فأيها اخْتَارَهُ وَجب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعضهم بِقبُول قَوْله أولى من بعض وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّه إِذا جَازَ لَهُ أَن يخْتَار الْإِبَاحَة مَتى شَاءَ وَأَنه إِن اخْتَار الْأَخْذ بالحظر كَانَ لَهُ الْعُدُول عَنهُ إِلَى الْإِبَاحَة فقد صَار الْفِعْل مُبَاحا لِأَنَّهُ لَو تَركه مَتى شَاءَ وَلَيْسَ لَهُ وَالْحَال هَذِه أَن يعْتَقد حظره

وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة إنَّهُمَا إِذا تَسَاويا لم يكن لَهُ الْأَخْذ بالأخف من الْأَقَاوِيل طلبا مِنْهُ للتَّخْفِيف وَلقَائِل أَن يَقُول لَهُ ذَلِك لِأَن المفتيين إِذا اسْتَويَا صَار الأخف رخصَة وَاحْتج من أوجب الْأَخْذ بأثقل الْقَوْلَيْنِ بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْحق ثقيل مريء وَالْبَاطِل خَفِيف وبيء وَالْجَوَاب إِن هَذَا الْخَبَر من أَخْبَار الْآحَاد وَلَيْسَ فِيهِ ايضا إِن الْحق أثقل من كل ثقيل وَإِنَّمَا يدل على أَن الْحق ثقيل ولأنا نَحن نقُول بذلك لِأَنَّهُ مُخَالف للشهوة على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا عَنى أَن الْبَاطِل فِي الْغَالِب خَفِيف لِأَن الْعِبَادَات من النَّصَارَى والهند بَاطِلَة

<<  <  ج: ص:  >  >>