قُلْنَا: أتعرفون كذبه ضَرُورَة أَو دلَالَة فَإِن ادعيتم معرفَة كذبه ضَرُورَة كُنْتُم مباهتين، على أَنكُمْ تقابلون بِمثل دعواكم على ضدها، وَإِن زعمتم أَنا عرفنَا ذَلِك بِدَلِيل فَمَا دليلكم عَلَيْهِ؟
فَإِن قَالُوا: الدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو كَانَ صدقا لنصب الرب على صدقه دَلِيلا لاتصافه بالاقتدار عَلَيْهِ، فَلَمَّا لم ينصب عَلَيْهِ دَلِيلا قَطعنَا بصدقه، فَإِذا تقَابل الْقَوْلَانِ تساقطا، وَلزِمَ الْمصير إِلَى الْوَقْف، وَترك قطع القَوْل بِأَحَدِهِمَا.
وَالَّذِي يُوضح ذَلِك إِجْمَاع الْأمة على الحكم بِشَهَادَة الشُّهُود مَعَ اتِّفَاقهم على اسْتِحَالَة الْقطع بكذبهم، فَإِن من يقطع بكذبهم يَسْتَحِيل إبرام الحكم بِشَهَادَتِهِم فِي مُوجب الشَّرْع، وَمَعَ ذَلِك فَلَا سَبِيل إِلَى الْقطع بِصدق الشُّهُود مَعَ أَنهم لَا يعتصمون.
[١٠٢٥] فَإِن قيل: ألستم وافقتمونا على أَن من ادّعى النُّبُوَّة وَلم تدل على صدقه دلَالَة قَاطِعَة فتقطع بكذبه، فَمَا أنكرتم مثل ذَلِك فِي كل مخبر عَن الرَّسُول؟
قُلْنَا: قبل أَن نجيب عَمَّا ذكرتموه يلزمكم على قوده جحد الضَّرُورَة فَإنَّا [١١٥ / أ] نعلم / أَن من قطع بِأَن جملَة المخبرين آحَاد عَن الشَّرَائِع وَالديَّان والمعاملات الدائرة كاذبون فقد جحد الضَّرُورَة، فَإنَّا نعلم بضرورة الْعقل أَن فيهم صَادِقين، وَإِن كُنَّا نعلم أَنه لَيْسَ مَعَ كل وَاحِد من المخبرين دلَالَة قَاطِعَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute