وأيضًا: قوله: لأنّها أدلّة، مدخول؛ لأنّ الأدلّة: المعرف بلا رَيْبٍ، وما هي والحالة هذه إِلا بواعث.
الشرح: واحتج "المانع" من التَّعْليل بعلّتين مطلقًا بثلاثة أوجه:
أحدها: وإليه الإِشارة بقوله: "لو جاز، لكانت كلّ واحدة مستقلّة غير مستقلة؛ لأن معنى استقلالها: ثبوت الحكم بها، فإِذا تعددت تناقضت".
وهذا ما اعتمده الآمدي، وتقريره أن يقال: لو علل الحكم الواحد بعلّتين، لم يخل إِما أن تستقلّ كلّ واحدة بالتَّعْليل، أو لا تستقلّ، بل لا تتمّ إِلا بمجموعهما، أو تستقلّ إِحداهما به دون الأخرى، والأقسام الثلاثة باطلةٌ، فالتعليل بعلل باطل.
أما الأول: فلأنه لا معنى لكون الوَصْف علّة مستقلة إِلا أنه علّة له دون غيره، فلو كانت كلّ واحدة منها مستقلّة بهذا التفسير لزم ألا تكون كلّ واحدة منها علّة، فضلًا عن أن تكون مستقلة.
وأما الثاني: فلأنه على نَقِيضِ ما فَرض من الملزوم، فكان باطلًا، وبتقدير ألّا يكون باطلًا، قالمقصود حاصل؛ لأنه حينئذ لا يكون ذلك الحكم معللًا إِلا بعلّة واحدة.
وأما الثالث: فللزوم تَرْجِيح أحد الجَائزين، وبتقدير ألا يكون جائزًا، فالمقصود حاصل على ما عرف.
الشرح:"وأجيب: بأن معنى استقلالها: أنها إِذا انفردت استقلّت، فلا تناقض في التعدد"، أي: ليس معنى استقلالها ما ذكرت، بل إِنها إِذا انفردت استقلّت بالعلّية، فيجوز أن تكون كلّ واحدة منها حالة الانفراد مستقلة، وحالة الاجتماع غير مستقلة، فلا يلزم التناقض حالة التعدُّد؛ لعدم استقلال كلّ منها حينئذ.
فالتناقض إِنما نشأ من استقلالها حالة التعدّد، و "حينئذ فقد فسرنا الاستقلال بخلاف ما فسرتموه.