للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت: الفُتْيَا أعمُّ من الحكم؛ لأن الحاكم في أمرٍ فَشَا مفتٍ بما حكم به، فالتفصيلُ في الحقيقة واقعٌ بين الفُتْيَا على وجه الحكم والفُتيَا لا على وجُهه.

وقد انتهت مسألة الإجماع السّكوتي المشروط فيها الانتشار بحيث يبلغ الكلّ.

"وأما إذا انتشر"، ولكن كان بلوغه لأهل العَصْرِ أمرًا محتملًا (١) "فليس بحُجَّةٍ عند الأكثر" وقيل: حجَّة.

وقال الإمام الرَّازي وأتباعه: إن القول إن كان فيما تَعمّ (٢) به البَلْوَى كنقض الوضوء بمَسِّ الذَّكَرِ كان كالسُّكوتي، وإلا لم يكن حُجَّة، وهنا كلامان:

أحدهما: قد يقول القائل: إذا لم يعرف أنه بلغ الجميع فما تَمّ غير قول بعض الأمة فكيف يكون حجة؟

وجوابه بعد تقديم مقدمة فأقول: إن المتكلمين لمَّا تكلّموا في الإجماع السكوتي صوروا المسألة بعصر الصَّحابة منهم القاضي، وأبو إسحاق الشِّيرَازي، والغزالي والقاضي عبد الوَهَّاب.

وأما ابن السَّمعاني، فصدّرها بعصر الصحابة، ثم حكى في أثنائها أن بعض أصحابنا خصَّصها بعصر الصَّحابة.

وأما التابعون ومن بعدهم فلا. قال: ولا يعرف فرق بين الموضعين، والأولى التسوية بين الجَمِيعِ.

وأما إمامُ الحَرَمَيْنِ، فأطلق الكلام إطلاقًا من غير تخصيص، وتبعه الآمدي والمتأخرون لكن إمام الحَرَمَيْنِ لم يذكر هذا الفَرْع - أعني: إذا لم يعرف أنه بلغ الجميع -.

وأما الإمام الرَّازي، فأطلق صدر مسألة السّكوتي، ثم لمَّا اتتهى إلى هذا الفرع خصَّهُ بالصَّحابة، وتوهّم بعض أصحابه أن هذا التقييد لا حاجة به إليه، وأن الفرع لا يختص بالصَّحابة كالأصل، وعلى هذا جرى البَيْضَاويُّ في "منهاجه".

وأنا أقول: الصَّوابُ صنيع الإمام، وأن الصُّورة الأولى - وهي ما إذا بلغ الجميع [لا


(١) في ب: مجملًا.
(٢) في ت، ح: يعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>