= الشؤون. أما في عصرنا فإن المطالب بها من هي داخلة في عمله، وقد رسموا للقاضي الخطة التي ينبغي أن يسير عليها في سماع دعاوى المتخاصمين، فقالوا: يجب عليه تقديم المسافر على الحاضر، إلا لضرورة. وتقديم ما يخشى فواته لو قدم غيره عليه. ثم يقدم السابق، وإن لم يعرف أقرع بينهم إن لم يرضوا بما يراه. وعند سماع الدعاوى يجب عليه أن يأمر المدعي بالكلام، وهو من تجرد قوله عن أصل أو معهود عرفًا يصدقه حين دعواه كطالب دين على آخر، فإن الأصل والمعهود عدم ما ذكر. فإن لم يعلم المدعي، فالجالب لصاحبه إلى القاضي هو الذي يؤمر بالكلام، فإن لم يكن جالب أقرع بينهما، فإن ادعى معلومًا محققًا من مال أو غيره، وبين في دعوى المال السبب سمع دعواه. أما إذا لم يدع معلومًا محققًا، كان ادعى بمجهول أو بمعلوم غير محقق، أو لم يبين السبب في دعوى المال لم يسمع دعواه، ثم بعد أن يسمع دعوى المدعي يأمر المدعى عليه، وهو من ترجح قوله بمعهود شرعي كالأمانة بالنسبة للوديع، أو أصل كالمدين، فإن الأصل عدم الدين بالجواب إما بالإقرار أو الإنكار، فإن أقر شهدوا عليه وثبت الحق، وإن أنكر قال للمدعي: ألك بينة؟ فإن نفاها كان له أن يحلفه، سواء ثبتت بينهما خلطة أو لا. فإن حلف برئ، ولا يقبل للمدعي بعد ذلك بينة إلا لعذر كنسيان لها عند تحليف المدعى عليه. ويحلف إن أراد القيام بها أنه نسيها. وإن أقام البينة ولم ينفها أعذر القاضي إلى المدعى عليه بأن يقول له بعد سماع بينة المدعي: أبقيت لك حجة وعذر في هذه البينة؟ فإن قال: نعم لي مطعن فيها أنظره القاضي بالاجتهاد للإتيان بذلك المطعن، فإن لم يأت به في مدة الإنظار حكم عليه بمقتضى الدعوى، كما إذا نفى أن له مطعنًا فيها، وبعد الحكم عليه يعجزه ويسجل ذلك التعجيز، فلا يقبل منه مطعن في البينة بعد ذلك. وكذا إذا طلب المدعى من القاضي أن ينظره لإحضار البينة، ولم يأت بها في مدة الإنظار؛ فإن القاضي يعجزه ويسجل ذلك. فلا تقبل منه بينة بعد ذلك إلا في دعوى القتل، والعتق، والطلاق، والوقف، والنسب؛ فإن هذه الأمور الخمسة لا تعجيز فيها؛ بل يكون باقيًا على حجته متى أقامها حكم له بمقتضى دعواه؛ لعظم أمر هذه الأشياء وإن سكت المدعى عليه ولم يجب لا بإقرار ولا إنكار حبسه وضربه ليجيب، ثم حكم عليه بلا يمين من المدعي، لأن اليمين فرع الجواب، وهو لم يجب.
هذه هي الطريقة التي تسلك في معظم الدعاوى. وهنالك طرق خاصة تسلك في بعض الوقائع لم نذكرها لضيق الوقت؛ فمن أحب الوقوف عليها. فليطلبها في مظانها.
وأما مكان جلوسه للحكم فقد اختلفوا فيه، فقيل: يندب أن يكون برحاب المسجد؛ ليسهل وصول جميع المتخاصمين إليه، ولبعده عن التكلف والإسراف ومظاهر الترف، وقيل يكره=