وَالدَّلِيل على بطلَان قَوْلهم إِن فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ سَوَاء كَانَ عبَادَة أَو مُعَاملَة لَا معنى لَهُ سوى سلب أَحْكَامه عَنهُ وَانْتِفَاء ثمراته الْمَقْصُودَة عَنهُ وَخُرُوجه عَن كَونه سَببا مُفِيدا لَهَا فَلَو دلّ النَّهْي عَن الشَّيْء على فَسَاده من حَيْثُ اللُّغَة لَكَانَ فِي اللَّفْظ مَا يدل لُغَة على انْتِفَاء ثمراته عَنهُ وَاللَّازِم بَاطِل فالملزوم كَذَلِك
أما الْمُلَازمَة فظاهرة وَأما انْتِفَاء اللَّازِم فَلِأَن معنى النَّهْي فِي اللُّغَة اقْتِضَاء الْكَفّ عَن الْفِعْل وَلَيْسَ انْتِفَاء الْأَحْكَام عَنهُ عين ذَلِك وَلَا جزؤه وَلَا لَازِما لَهُ من حَيْثُ اللُّغَة لِأَنَّهُ لَو قَالَ وَاحِد لَا تبع غلامك فَإنَّك إِن بِعته ثَبت حكم البيع وانتقل الْملك فِيهِ إِلَى المُشْتَرِي لم يكن ذَلِك متناقضا من حَيْثُ اللُّغَة وَلَو كَانَ النَّهْي عَن الشَّيْء لعَينه مقتضيا لفساده من مَوْضُوع اللُّغَة لَكَانَ ذَلِك متناقضا
وَأَيْضًا فَإِن الصِّحَّة عبارَة عَن ترَتّب الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة على الْفِعْل الْمَأْذُون فِيهِ وَالْفساد مَعْنَاهُ عدم ترتبها وَالْأَحْكَام إِنَّمَا هِيَ مُتَلَقَّاة من الشَّرْع فَقبل الشَّرْع لَا يكون النَّهْي دَالا على فَسَاد وَلَا صِحَة والموضوعات اللُّغَوِيَّة مُتَلَقَّاة عَن الْعَرَب قبل الشَّرْع فَلَيْسَ الْفساد مستفادا من مَوْضُوع النَّهْي لُغَة
وَاحْتج الْقَائِل بذلك بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا اسْتِدْلَال الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمن بعدهمْ من الْعلمَاء على الْفساد فِي المنهيات بِالنَّهْي عَنْهَا فَدلَّ على فهمهم ذَلِك لَهُ من حَيْثُ اللُّغَة