للأرواح سعيدها وشقيها مُسْتَقر وَاحِد وَكلهَا على إختلاف محالها وتباين مقارها لَهَا إتصال بأجسادها فِي قبورها ليحصل لَهُ من النَّعيم وَالْعَذَاب مَا كتب لَهُ إنتهى كَلَام إِبْنِ الْقيم
قلت وَيُؤَيّد مَا ذكره من الإتصال بالأجساد والإشتراك فِي النَّعيم أَو الْعَذَاب مَا أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه أَن حزقيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَتَانِي ملك فاحتملني حَتَّى وضعني بقاع من الأَرْض قد كَانَت معركة وَإِذا فِيهِ عشرَة آلَاف قَتِيل قد تبددت لحومهم وَتَفَرَّقَتْ أوصالهم قَالَ فدعوتهم فَإِذا كل عظم قد أقبل إِلَى مفصله ثمَّ نبت عَلَيْهَا اللَّحْم ثمَّ إنبسطت الْجُلُود وَأَنا أنظر فَقيل لي أدع أَرْوَاحهم فدعوتها فَإِذا كل روح قد أقبل إِلَى جسده لما جَلَسُوا سَأَلتهمْ فيمَ كُنْتُم قَالُوا إِنَّمَا لما متْنا وفارقتنا الْحَيَاة لَقينَا ملك يُقَال لَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ هلموا أَعمالكُم وخذوا أجوركم كَذَلِك سنتنا فِيكُم وفيمن كَانَ قبلكُمْ وفيمن هُوَ كَائِن بعدكم فَنظر فِي أَعمالنَا فَوَجَدنَا نعْبد الْأَوْثَان فَسلط الدُّود على أَجْسَادنَا وَجعلت الْأَرْوَاح تألم وسلط الْغم على أَرْوَاحنَا وَجعلت الأجساد تألم فَلم نزل كَذَلِك نعذب حَتَّى دَعوتنَا
٥٦ - وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَحَادِيث دَالَّة على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء خَاصَّة فِي الْجنَّة دون غَيرهم وَحَدِيث كَعْب وَنَحْوه مَحْمُول على الشُّهَدَاء وَأما غَيرهم فَتَارَة تكون فِي السَّمَاء لَا فِي الْجنَّة وَتارَة تكون على أفنية الْقُبُور وَقد قيل إِنَّهَا تزور قبورها كل جُمُعَة على الدَّوَام وَقَالَ إِبْنِ الْعَرَبِيّ حَدِيث الجريدة يسْتَدلّ بِهِ على أَن الْأَرْوَاح فِي الْقُبُور تنعم أَو تعذب
ثمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَبَعض الشُّهَدَاء أَرْوَاحهم خَارج الْجنَّة أَيْضا كَمَا فِي حَدِيث إِبْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة وَذَلِكَ إِذا حَبسهم عَنْهَا دين أَو شَيْء من حُقُوق الْآدَمِيّين وروى أَبُو مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أعظم الذُّنُوب عِنْد الله يلقاه بهَا عبد بعد الْكَبَائِر الَّتِي نهى الله عَنْهَا أَن يَمُوت رجل وَعَلِيهِ دين لَا يدع لَهُ قَضَاء أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي جنَّة المأوى وَلذَلِك سميت جنَّة المأوى لِأَنَّهَا تأوي إِلَيْهَا الْأَرْوَاح وَهِي تَحت الْعَرْش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون طيب رِيحهَا قَالَ وَالْأول أصح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute