على مَا هُوَ عَلَيْهِ وتيقنه بِهِ وارتفاع الشكوك عَنهُ وَيكون ذَلِك إِمَّا بِشَهَادَة الْحَواس وَأول الْعقل وَأما الْبُرْهَان رَاجع من قرب أَو من بعد إِلَى شَهَادَة الْحَواس أَو أول الْعقل وَأما بِاتِّفَاق وَقع لَهُ فِي مصادفة اعْتِقَاد الْحق خَاصَّة بِتَصْدِيق مَا افْترض الله عز وَجل عَلَيْهِ اتِّبَاعه خَاصَّة دون اسْتِدْلَال وَأما علم الله تَعَالَى فَلَيْسَ مَحْدُود أصلا وَلَا يجمعه مَعَ علم الْخلق حد فَلَا حس وَلَا شَيْء أصلا وَذَهَبت الأشعرية إِلَى أَن علم الله تَعَالَى وَاقع مَعَ علمنَا تَحت حد وَاحِد
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا خطأ فَاحش إِذْ من الْبَاطِل أَن يَقع مَا لم تزل النهايات وَعلم الله تَعَالَى لَيْسَ هُوَ غير الله تَعَالَى على مَا بَينا قبل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالَت طوائف مِنْهُم الأشعرية وَغَيرهم من اتّفق لَهُ اعْتِقَاد شَيْء على مَا هُوَ بِهِ عَن غير دَلِيل لَكِن بتقليد أَن تميل بإرادته فَلَيْسَ عَالما بِهِ وَلَا عَارِفًا بِهِ وَلكنه مُعْتَقد لَهُ وَقَالُوا كل علم وَمَعْرِفَة اعْتِقَاد وَلَيْسَ كل اعْتِقَاد علما وَلَا معرفَة لِأَن الْعلم والمعرفة بالشَّيْء إِنَّمَا يعبر بهما عَن تَيَقّن صِحَّته قَالُوا وتيقن الصِّحَّة لَا يكون إِلَّا برهَان قَالُوا وَمَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ ظن وَدَعوى لَا تَيَقّن بهَا إِذْ لَو جَازَ أَن يصدق قَول بِلَا دَلِيل لما كَانَ قَول أولى من قَول ولكانت الْأَقْوَال كلهَا صَحِيحَة على تضادها وَلَو كَانَ ذَلِك لبطلت الْأَقْوَال ولبطلت الْحَقَائِق كلهَا لِأَن كل قَول يبطل كل قَول سواهُ فَلَو صحت الْأَقْوَال كلهَا لبطلت كلهَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ يكون كل قَول صَادِقا فِي إبِْطَال مَا عداهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن التَّسْمِيَة وَالْحكم لَيْسَ إِلَيْنَا وَإِنَّمَا هما إِلَى خَالق اللُّغَات وخالق الناطقين بهَا وخالق الْأَشْيَاء ومرتبها كَمَا شَاءَ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ قَالَ عز وَجل مُنْكرا على من سمى من قبل نَفسه {إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} فنهي الله عز وَجل كل أحد عَن أَن يَقُول مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم ووجدناه عز وَجل يَقُول فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} وَقَالَ تَعَالَى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدّين} فخاطب الله تَعَالَى بِهَذِهِ النُّصُوص وبغيرها وَكَذَلِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مُؤمن فِي الْعَالم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وبيقين نَدْرِي أَنه قد كَانَ فِي الْمُؤمنِينَ على عَهده عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ من بعده عصراً عصراً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الْمُسْتَدلّ وهم الْأَقَل وَغير الْمُسْتَدلّ كمن أسلم من الزنج وَمن الرّوم وَالْفرس والآماء وضعفة النِّسَاء والرعاة وَمن نَشأ على الْإِسْلَام بتعليم أَبِيه أَو سَيّده إِيَّاه وهم الْأَكْثَر وَالْجُمْهُور فسماهم عز وَجل مُؤمنين وَحكم لَهُم بِحكم الْإِسْلَام وَهَذَا كُله مَعْرُوف بِالْمُشَاهَدَةِ والضرورة وَقَالَ تَعَالَى {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يُؤمنُوا بِمَا أرْسلت بِهِ فصح يَقِينا أَنهم كلهم مأمورون بالْقَوْل بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كل من صد عَنهُ فَهُوَ كَافِر حَلَال دَمه وَمَاله فَلَو لم يُؤمن بالْقَوْل بِالْإِيمَان إِلَّا من عرفه من طَرِيق الِاسْتِدْلَال لَكَانَ كل من لم يسْتَدلّ مِمَّن ذكرنَا مَنْهِيّا عَن اتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن القَوْل بتصديقه لِأَنَّهُ عِنْد هَؤُلَاءِ القَوْل لَيْسُوا عَالمين بذلك وَهَذَا خلاف الْقُرْآن وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واجتماع الْأمة الْمُتَيَقن أما الْقُرْآن وَالسّنة فقد ذكرناهما وَأما إِجْمَاع الْأمة فَمن الْبَاطِل الْمُتَيَقن أَن يكون الِاسْتِدْلَال فرضا لَا يَصح أَن يكون أحد مُسلما إِلَّا أَنه بِهِ ثمَّ يغْفل الله عز وَجل أَن يَقُول لَا تقبلُوا من أحد أَنه مُسلم حَتَّى يسْتَدلّ أتراه نسي تَعَالَى أَو تعمد عز وَجل ترك ذكر ذَلِك إضلالاً لِعِبَادِهِ وبترك ذَلِك رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا عمدا أَو قصدا إِلَى الضلال والإضلال أَو نسيا لمن اهْتَدَى لَهُ هَؤُلَاءِ ونبهو إِلَيْهِ وهم من هم بلادة وجهلاً