وهي من أهم مسائل علوم الرواية الحديث، لما وقع فيها من الخلاف والالتباس، وما أثير حولها من الشبهات:
لا خلاف بين العلماء في أن الجاهل والمبتدئ ومن لم يمهر في العلم، ولا تقدم في معرفة تقديم الألفاظ وترتيب الجمل، وفهم المعاني يجب عليه ألا يروي ولا يحكي حديثا إلا على اللفظ الذي سمعه، وأنه حرام عليه التعبير بغير لفظه المسموع، إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم بالجهالة وتصرف على غير حقيقة في أصول الشريعة، وتقول على الله ورسوله.
ثم اختلف السلف وأرباب الحديث والفقه والأصول في تسويغ الرواية بالمعنى لأهل العلم بمعاني الألفاظ ومواقع الخطاب:
فشدد كثير من السلف وأهل التحري من المحدثين والفقهاء فمنعوا الرواية بالمعنى، ولم يجيزوا لأحد الأتيان بالحديث إلى على لفظه نفسه.
وذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى جواز الرواية بالمعنى من مشتغل بالعلم ناقد لوجوه تصرف الألفاظ إذا انضم لاتصافه بذلك أمران: أن لا يكون الحديث متعبدا بلفظه، ولا يكون من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم (١).
وهذا هو الصحيح المعتمد، لأن الحديث إذا كان بهذه المثابة كانت
(١) انظر في هذا الموضوع الإلماع: ١٧٤ - ١٧٨ وكشف الأسرار: ٧٧٤٠٧٧٩ وشروح التوضيح: ٢: ١٣، وفواتح الرحموت: ٢: ١٦٧، وشرح التحرير لابن أمير حاج: ٢: ٢٨٥ - ٢٨٨. وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب: ٢: ٧٠ - ٧١ وشروح جمع الجوامع: ٢: ١٠٦ - ١٠٧.