للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَبَات السُّلْطَان وَسَائِر العساكر على ظُهُور خيولها والطبول تضرب وتلاحق بِهِ من إنهزم شَيْئا بعد شَيْء وهم يقصدون ضرب الطبول السُّلْطَانِيَّة والكوسات الحربية. وأحاط عَسْكَر السُّلْطَان بِالْجَبَلِ الَّذِي بَات عَلَيْهِ التتار وَصَارَ بيبرس وسلار وقبجق والأمراء الأكابر فِي طول اللَّيْل دائرين على الْأُمَرَاء والأجناد يرصونهم ويرتبونهم ويكثرون من التَّأْكِيد عَلَيْهِم فِي التيقظ وَأخذ الأهبة. فَمَا طلع الْفجْر يَوْم الْأَحَد إِلَّا وَقد اجْتمع كل عَسَاكِر السُّلْطَان ووقف كل أحد فِي مصافه مَعَ أَصْحَابه والجفل والأثقال قد وقفُوا على بعد وَكَانَت رُؤْيَتهمْ تذهل وثبتوا على ذَلِك حَتَّى ارْتَفَعت الشَّمْس. وَشرع قطلوشاه فِي تَرْتِيب من مَعَه ونزلوا مشَاة وفرسان وقاتلوا العساكر. فبرزت المماليك السُّلْطَانِيَّة بمقدميها إِلَى قطلوشاه وجوبان وَعمِلُوا فيهم عملا عَظِيما: تَارَة يرمونهم بِالسِّهَامِ وَتارَة يهاجمونهم واشتغل الْأُمَرَاء بِقِتَال من فِي جهتهم وصاروا يتناولون الْقِتَال أَمِيرا بعد أَمِير. وألحت المماليك السُّلْطَانِيَّة فِي الْقِتَال واستقتلوا حَتَّى أَن فيهم من قتل تَحْتَهُ الثَّلَاثَة أرؤس من الْخَيل. ومازال الْأُمَرَاء على ذَلِك حَتَّى انتصف نَهَار يَوْم الْأَحَد وَصعد قطلوشاه الْجَبَل وَقد قتل مِنْهُ نَحْو ثَمَانِينَ رجلا وجرح الْكثير وَاشْتَدَّ عطشهم. وَاتفقَ أَن بعض من أسروه نزل إِلَى السُّلْطَان وعرفه أَن التتار قد أَجمعُوا على النُّزُول فِي السحر ومصادمة الْجَيْش وَأَنَّهُمْ فِي شدَّة من الْعَطش. فَاقْتضى الرَّأْي أَن يفرج لَهُم عِنْد نزولهم ثمَّ يركب الْجَيْش أقفيتهم. فَلَمَّا باتوا على ذَلِك وَأصْبح نَهَار يَوْم الْإِثْنَيْنِ ركب التتار فِي الرَّابِعَة ونزلوا من الْجَبَل فَلم يتَعَرَّض لَهُم أحد. وَسَارُوا إِلَى النَّهر فاقتحموه وَعند ذَلِك ركبهمْ بلَاء الله من الْمُسلمين وأيدهم بنصره حَتَّى حصدوا رُؤُوس التتار عَن أبدانهم ومروا فِي أَثَرهم إِلَى وَقت الْعَصْر وعادوا إِلَى السُّلْطَان. فسرحت الطُّيُور بالنصر إِلَى غَزَّة وَمنع المنهزمون من التَّوَجُّه إِلَى مصر وتتبع من نهب الخزائن السُّلْطَانِيَّة والاحتفاظ بِهِ. وَعين الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الفتاح للمسير بالبشارة إِلَى مصر وَسَار من وقته وَكتب إِلَى دمشق وَسَائِر القلاع بالبشارة. ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من مَكَان الْوَاقِعَة وَبَات ليلته بالكسوة وَأصْبح يَوْم الثلائاء خَامِس الشَّهْر وَقد خرج إِلَيْهِ أهل دمشق فَسَار إِلَيْهَا - وَمَعَهُ الْخَلِيفَة - فِي عَالم من الفرسان والعامة والأعيان وَالنِّسَاء وَالصبيان لَا يحصيهم إِلَّا من خلقهمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>