(٢) الصحيح في المسألة هو ما مال إليه المؤلف وذكر أنه قياس المذهب من أنه يجب على من رأى هلال ذي الحجة ولم يقبل قوله وعلى من أخبره برؤيته من يثق به إذا أراد الحج أن يقف يوم عرفة مع جماعة المسلمين، وكذلك يندب له أن يصومه إن لم يكن حاجا وإن كان حسب ما ثبت لديه هو اليوم العاشر، لأن حديث '' صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ''- وهو حديث صحيح كما سبق ص (٢٤) - صريح في أن يوم الأضحى في حق الأمة كلها هو اليوم الذي يضحي فيه الإمام وجماعة المسلمين ويصلون فيه صلاة العيد، وإن كان هو اليوم الحادي عشر حسب ما ثبت لدى بعض المسلمين من الرؤية، فعلى هذا يكون يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الإمام وجماعة المسلمين في عرفات. وهذا هو الثابت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- كما سبق كله (١٩- ٢١) - ولا يعرف لها مخالف من الصحابة. لكن إن أراد شخص أن يحتاط لنفسه فيقف اليوم الثامن بعرفة والذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم عرفة، ثم يقف مع الناس من الغد كما فعل سالم بن عبد الله رحمه الله، وقد سبق ذكر فعله ص (٣١، ٣٢) أو يترك صيام يوم عرفة الذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم العيد إن كان غير حاج كما فعل مسروق وغيره وقد سبق ذكر فعلهم ص (١٩- ٢١) فلا بأس بذلك، خروجا من خلاف من أوجب عليه العمل بما ثبت لديه كالسبكي في كتاب العلم المنشور في إثبات الشهور ص ٤٥، ٤٦، وهو قياس قول من قال يصوم من رأى هلال رمضان وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك ص () ، وهو أيضا قياس قول من قال: يفطر إذا رأى هلال شوال وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك ص (٢٩، ٣٠) ، لكن ينبغي لمن فعل ذلك أن يخفي عمله منعا للفرقة وتشتيت الكلمة، ولئلا يشك العامة في صحة عملهم.
هذا كله فيما إذا كان من يقوم بإثبات دخول الشهر يعتمد على الرؤية، كما هو الحال في هذه البلاد، ولله الحمد. أما إن كان يعتمد على الحساب، أو لا يقبل شهادة الشهود إذا خالفت الحساب فإنه يجب على من رآه أو أخبره برؤيته من يثق بقوله، أن يعمل بما ثبت لديه من الرؤية، ويترك ما سواه- وهذا هو أيضا الذي مال إليه المؤلف، كما سبق ص () ، وينبغي له في هذه الحالة أن يظهر عمله للناس وأن يعلم غيره بما ثبت لديه، إلا إن خشي أن يترتب على دعوته للعمل بهذا الحكم الشرعي منكر أكبر فينبغي له حينئذ ترك الدعوة إليه. والله أعلم.