وتفوق وصيره ملازما مِنْهُ وَكَانَ من أَوَائِل أمره ظريف النادرة وَكَانَ رُبمَا قصد مخدومه بنكاته فيستحسنها وَيزِيد فى الاقبال عَلَيْهِ وَمِمَّا يستحسن من مضامينه مَعَه أَن مخدومة تبجح يَوْمًا بِأَنَّهُ لم يل مُدَّة عمره مدرسة وَلَا منصبا مرَّتَيْنِ فَقَالَ أَحْمد الله على انه لم يَقع لى حَرَكَة مثلية وَكَانَ السُّلْطَان قبل ذَلِك نَفَاهُ مرَّتَيْنِ الى جَزِيرَة قبرس لامر جرى لَهُ فَقَالَ لَهُ انسى فى الْجَواب استثنوا تِلْكَ الْحَرَكَة المثلية الى قبرس ثمَّ بعد موت مخدومه تلاعبت بِهِ الاسفار والاحوال الى أَن اسْتَقر بِمصْر وَولى قَضَاء الركب المصرى ومحاسبة أوقاف مصر وَذَلِكَ فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف ثمَّ عَاد الى الرّوم وَولى بهَا مدرسة ثمَّ صَار قَاضِيا بطرابلس الشأم فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَوَقع بَينه وَبَين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى اذ ذَاك مراسلات فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه العمادى
(مولاى أنسى الذى طابت طرابلس ... بِهِ وَأصْبح فِيهَا الْوَحْش فى أنس)
(وَمن غَدا فَضله فى الْعَصْر مشتهرا ... كَالشَّمْسِ فى شفق وَالصُّبْح فى غلس)
(أَنْت الذى فَخر الْعَصْر العصور بِهِ ... وَقصرت كل مصر عَن طرابلس)
(أوصيكم بالحكيم الشَّيْخ مخلصكم ... مُحَمَّد بن غَدا يعزى الاندلس)
(حَملته بَث شوقى كرتين لكم ... لَعَلَّه بثه أَو كَانَ قبل نسى)
(قد كَانَ لى حر أشواق فضاعفه ... قرب الديار كشب النَّار بالقبس)
(لَكِن رجونا لِقَاء مِنْك يطفئه ... يَا رب فَاجْعَلْ رجائى غير منعكس)
فَرَاجعه بقوله
(هَذَا كتابك أم ذى نفحة الْقُدس ... يَا طيب الله ذاكى عرف ذَا النَّفس)
(فقد حلا كلما كررته بفمى ... كَأَنَّهُ أشنب قد جاد باللعس)
(كانما كل سطر مفعم أدبا ... غُصْن توقره الاثمار لم يمس)
(كأنهن المهارى وقرها دُرَر ... وفى سوى الْقلب والاسماع لم تطس)
(نظم بديع جناس الِالْتِفَات حلا ... مِنْهُ فبالله هَذَا ظَبْيَة الانس)
(مخايل السحر تبدو من دقائقه ... كاللحظ أجفانه مَالَتْ إِلَى التعس)
(لنا بِهِ كل وَقت عَن سواهُ غنى ... فى طلعة الشَّمْس مَا يغنى عَن القبس)
(تكسو المسامع أشنافا مضاعفة ... وتكتسى صنع صنعاء واندلس)
(فَبَيْنَمَا نَحن نجنى من أزاهرها ... اذ أشرقت وهى مثل الزهر فى الْغَلَس)