للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ بِالْجَمْعِ صَاعًا بِصَاعٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» )

ــ

[المنتقى]

[مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ]

(ش) : وَهَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالرُّوَاةُ يَقُولُونَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا حُكْمُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِذَا اخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ مُبَاحٌ غَيْرُهُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ وَقَدْ ذُكِرَتْ كُلُّهَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى لَا مَا اخْتَلَفَتْ أَوْزَانُهُ» وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَذَكَرَ مَعَهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ بَعْضُ الْمَقَالِ فَهَذَا الْمِقْدَارُ مِنْهُ قَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةُ النَّاسِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ أُصُولٌ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ لِفُرُوعٍ لَاحِقَةٍ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَعْيَانِ تِلْكَ الْفُرُوعِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّيَةِ إلَيْهَا وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا دُونَ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَرْبَعَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ حَرَامًا فِي كُلِّ شَيْءٍ لِحَقِّ الْعُمُومِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.

(فَصْلٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فِيمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ جِنْسٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَطْعُومُ جِنْسٍ فَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ مُقْتَاتُ جِنْسٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ لِلْأَكْلِ غَالِبًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي مَعْنَى الِادِّخَارِ لِلْأَكْلِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ فَلَا تَجُوزُ الْفَوَاكِهُ الَّتِي تَيْبَسُ وَتُدَّخَرُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَجِيءَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ لِلِاقْتِيَاتِ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الَّتِي تَيْبَسُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُقْتَاتَةِ وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَاتَةً فَلَيْسَتْ بِمُدَّخَرَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أُجْرِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ الْحَدِيثِ فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا نُرَاعِي الِاقْتِيَاتَ وَهُوَ لَا يُرَاعِيهِ بَلْ يُعَدِّي ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَوْزُونٍ وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّنَا نُعَدِّي الْعِلَّةَ إلَى قَلِيلِ الْمُقْتَاتِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَهُوَ لَا يُعَدِّيهَا إلَيْهِ وَيُجَوِّزُ فِيهِ التَّفَاضُلَ وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُعَدِّي الْعِلَّةَ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ مِنْ السَّقَمُونْيَا وَشَحْمِ الْحَنْظَلِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا وَنَحْنُ نَقْصُرُهَا عَلَى مَا يُقْتَاتُ مِنْ الْمَطْعُومِ وَلَنَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ نَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنْ نَدُلَّ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ.

وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>