للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» )

ــ

[المنتقى]

[الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَعْنِي نَاقِصَةً عَمَّا يَجِبُ فِيهَا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ الْخِدَاجَ النَّاقِصُ الَّذِي لَا يَتِمُّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ مُجْزِئَةً وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً وَوَصَفَهَا بِالنُّقْصَانِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَإِنْ نَقَصَتْ فَضِيلَتُهَا أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهَا لَا تَخْرُجُ بِعَدَمِهَا عَنْ كَوْنِهَا صَلَاةً وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُجْزِئِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُجْزِئِ يُقَالُ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ كَمَا يُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةٌ مُجْزِئَةٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ النُّقْصَانِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي نُقْصَانَ أَجْزَائِهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُ النُّقْصَانِ عَلَى عَدَمِ الْفَضِيلَةِ لِمَنْ كَمُلَتْ أَجْزَاؤُهُ وَوَصْفُ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا خِدَاجٌ إذَا لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَعْنِي فَسَادَهَا وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ تَامٍّ فَإِنْ قَرَأَ فِي بَعْضِ رَكَعَاتِهَا دُونَ بَعْضٍ فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ لَمْ يُذْكَرْ حُكْمُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى يَخْرُجُ فَسَادُ كُلِّ رَكْعَةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي السَّائِبِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ اعْتِرَاضٌ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الشَّائِعِ عِنْدَهُ وَمَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَغَمَزَ ذِرَاعِي عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ لَهُ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى فَهْمِ مُرَادِهِ وَالْحَثِّ لَهُ عَلَى جَمْعِ ذِهْنِهِ وَفَهْمِهِ لِجَوَابِهِ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ تَرْجَمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْ تَأَوَّلَ خِدَاجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ تَامَّةٍ وَلَا مُجْزِئَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَهُ فِي الْمَأْمُومِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَقْرَأَ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِيَشْغَلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْوَسْوَاسِ وَأَمَّا مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ خِدَاجٌ عَلَى نُقْصَانِ الْفَضِيلَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أُجْرِيَ عَلَى رَأْيِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تُرْسَمَ التَّرْجَمَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَالْقِرَاءَةُ فِي النَّفْسِ هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّكَلُّمِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ سِرًّا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ يَسِيرًا لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إجْرَاءَهَا عَلَى قَلْبِهِ دُونَ أَنْ يَقْرَأَهَا بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ قِرَاءَتَهَا بِاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّفْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ احْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي النَّفْسِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا أَعْلَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَضِيلَةِ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ» ثُمَّ عَدَّ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهَا صَلَاةً لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الدُّعَاءُ وَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرْنَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَقَعُ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>