للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ) .

ــ

[المنتقى]

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ]

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ) فَإِنَّهُمْ إنْ شَهِدُوا بِقَتْلِ صَبِيٍّ لِصَبِيٍّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ بِلَا قَسَامَةٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ كَامِلَةٌ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ الْقَسَامَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي سِتَّةِ صِبْيَانٍ لَعِبُوا فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ وَشَهِدَ الِاثْنَانِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: وَلَوْ كَانُوا كِبَارًا فَاخْتَلَفُوا هَكَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ إقْرَارًا وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ اخْتِلَافَ شَهَادَتِهِمْ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي التَّهَاتُرَ، وَإِبْطَالَ بَعْضِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي إنَّمَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَانِثًا عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِهِ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَعَدَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْبَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَهُ، وَالْإِعْلَامِ بِتَغْلِيظِ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ آثِمًا.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ أَنَّهُ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْبَرَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقَى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْمِنْبَرِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى التَّغْلِيظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ لِقِلَّتِهِ وَتَفَاهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ بَالٌ لَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدٍ الْيَمِينُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ شَيْءٍ تَافِهٍ فَهَذَا حُكْمُهُ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ حُكْمَ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُ آثِمًا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِهِ أَوْ حَلَفَ فَاقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ فَإِنَّ لِشُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَعِيدَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَلَا يُقَالُ لِمَنْ رَجَعَ عَنْهُ كَاذِبٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ

وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِإِخْلَافِ الْوَعِيدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا لِمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَا فَعَلَى هَذَا الْوَعِيدُ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ عَاصٍ وَقِيلَ: إنَّ الْوَعِيدَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَإِنَّ الْخُلْفَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْكَذِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي صِفَةِ الْبَارِي - تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا الْوَعِيدُ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ الْبَارِي - تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَاقِبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>