للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ يُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، أَوْ مِنْ إجَارَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ إجَارَةٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ الْعَبْدُ)

ــ

[المنتقى]

أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ حَتَّى مَاتَ فَكَرِهَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَرَثَى لَهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ شَهِدَ بِدَارٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَكَّةَ وَمَاتَ بِهَا وَرَوَى ابْنُ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ، وَهَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَثَى لَهُ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِمَوْتِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ تَأْثِيرًا فِي هِجْرَتِهِ وَثَلْمًا لَهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ اخْتَارَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ مَاتَ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَتَعَلُّقُ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ عَلَى أَنَّهُ قَلَّ مَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَلَعَلَّهُ قَدْ أُجِيبَتْ فِيهِمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ]

(ش) : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ مَنَافِعَ فَصَحَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ كَالْعَرِيَّةِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مَنَافِعُ فَصَحَّ بَدَلُهَا فَجَازَ لِمَنْ مَلَكَهَا أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَخْدُمُ غُلَامُهُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ:.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَصَايَا إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ وَتَسَاوَتْ فِي التَّأْكِيدِ وَقَعَتْ الْمُحَاصَّةُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَجَالِسَ شَتَّى.

وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي أَخْذِ الْمُوصَى لَهُ مَا يُوجِبُ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ فِي عَيْنِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ.

وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي الْمُحَاصَّةِ بِالتَّعْمِيرِ وَمُدَّةِ التَّعْمِيرِ.

وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي تَبْدِئَةِ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ) أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصَايَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ مَا يَثْبُتُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِهِ لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: هُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي الْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمُ الْفَرَائِضِ فِي الْعَوْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثُّلُثَ سُدُسَانِ وَالنِّصْفَ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْجَمِيعِ مَعَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ فِي الْجَمِيعِ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ وَالثُّلُثَ الْمُنْفَرِدَ رَابِعٌ وَهُوَ رُبْعُ الْجَمِيعِ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ الَّذِي يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ إنْفَاذُهُ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ فَإِنَّمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَاهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ اسْتَوْعَبَتْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ سُدُسٌ وَالْوَصَايَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا أَمْكَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>