للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ إلَّا أَنْ تَرْمَحُ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ، وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ قَالَ مَالِكٌ فَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ أَحْرَى أَنْ يَغْرَمُوا مِنْ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ) .

ــ

[المنتقى]

[جَامِعُ الْعَقْلِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ الْعَجْمَاءُ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا نُطْقَ لَهُ، وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَعْقِلُ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْجُرْحَ الَّذِي لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا كَانَ بِسَبَبِ أَحَدٍ، وَهُوَ الَّذِي تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَالَ فِيهِ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِسَبَبِ غَيْرِهِ مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ سَبَبًا، وَقَدْ فَسَّرَ مَالِكٌ الْجُبَارَ بِأَنَّهُ هَدَرٌ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا اخْتَصَّ بِالْعَجْمَاءِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْجِنَايَاتِ بَطَلَ، وَلَا يُقْضَى مِنْهُ بِدِيَةٍ وَلَا شَيْءٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ الْمَعْدِنُ حَيْثُ يَعْلَمُ النَّاسُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ كُحْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهَا الْغِيرَانُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي مَنْ سَقَطَ فِيهَا أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَنْ أُصِيبَ بِذَلِكَ دُونَ فِعْلِ أَحَدٍ فَإِنَّ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَةٍ فَإِنَّهُ جُبَارٌ يَعْنِي أَنَّهُ مَطْلُولٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْقَائِدَ وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي أَمَامَ الدَّابَّةِ يَقُودُهَا بِلِجَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالسَّائِقَ وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي خَلْفَ الدَّابَّةِ فَيَسُوقُهَا، وَالرَّاكِبَ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فَلِأَشْهَبِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَةِ مَا جَنَتْهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَ الرَّاكِبُ شَرِكَهُمْ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جَنَتْهُ الدَّابَّةُ بِوَطْءٍ تَطَؤُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْقَائِدِ الَّذِي يَقُودُهَا، وَالسَّائِقُ الَّذِي يَسُوقُهَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى السَّوْقِ وَالْقَوْدِ، وَلَا صُنْعَ لِلرَّاكِبِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مُمْسِكًا فَإِنْ شَارَكَهُمَا بِرَكْضٍ أَوْ زَجْرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إشَارَةٍ كَانَ شَرِيكَهُمَا فِي جِنَايَتِهِمَا تِلْكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ يُرِيدَانِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا بِكَدْمٍ أَوْ نَفْحٍ مِنْ غَيْرِ تَهْيِيجِ أَحَدٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَحَقُّهُمْ بِالضَّمَانِ السَّائِقُ إنْ كَانَ سَوْقُهُ يَذْعَرُهَا بِزَجْرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ نَخْسٍ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ لَوْ ضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ فَكُدِمَتْ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ الْقَائِدُ لَوْ أَنْهَرَهَا فَإِنَّهُ يُضْمَنُ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَبْقَى أَنْ يَكُونَ السَّائِقُ أَحَقَّهُمْ بِالضَّمَانِ إذَا لَمْ تَكُنْ جِنَايَاتُهُمَا يَقْتَرِنُ بِهَا تَجْدِيدُ شَيْءٍ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمْ إلَّا أَنَّ لِلسَّائِقِ حُكْمَ ذَلِكَ بِأَنْ يَحْفِرَهُ لَهَا بِقُرْبِهِ مِنْهَا وَحَرَكَةِ مَشْيِهِ خَلْفَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْجِنَايَةِ مُخَالِفٌ لِجِنَايَتِهَا بِالْوَطْءِ عَلَى شَيْءٍ تَبْلُغُهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى مَا تَطَأُ عَلَيْهِ هُوَ مُقْتَضَى السَّوْقِ وَالْقَوْدِ، وَسَبَبُ الرَّاكِبِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَوْجُودٌ، وَأَمَّا أَنْ تُكْدَمَ أَوْ تُنْفَحَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْأَسْبَابِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ أَوْ نَخْسٍ فَإِذَا عَرِيَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ رَبِيعَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ بِالتَّسْيِيرِ، وَأَمَّا الْكَدْمُ وَالنَّفْحُ وَالضَّرْبُ بِالْيَدِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكْبَحَهَا أَوْ يُحَرِّكَهَا بِخِلَافِ مَا وَطِئَتْ، وَقَالَهُ كُلُّهُ أَشْهَبُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا رَكِبَ اثْنَانِ عَلَى دَابَّةٍ فَمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ بِوَطْءٍ أَوْ صَدْمٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ هُوَ مِنْ الْمُقَدَّمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْمُشِيرُ إلَيْهَا وَالْمُمْسِكُ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَخِّرُ حَرَّكَهَا أَوْ ضَرَبَهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>