للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) .

قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا ابْنَ أَخِي إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ» )

ــ

[المنتقى]

الضَّرُورَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ إلَى وَقْتِهَا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ وَعِلَّةُ الْجَمْعِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَرَفَةَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَشُرِعَ تَقْدِيمُهَا لِذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ عَامَّةً وَأَصْلُهَا لِلشَّرِيعَةِ لَحِقَتْ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا عِلَّةُ الْمُسَافِرِ بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ بِالنُّزُولِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهِيَ عِلَّةٌ غَيْرُ عَامَّةٍ وَلَكِنَّهَا شَائِعَةٌ وَهِيَ الرِّفْقُ بِالْإِنْسَانِ دُونَ التَّفَرُّغِ لِلشَّرِيعَةِ فَأَوْجَبَتْ الْإِبَاحَةَ.

(ش) : قَوْلُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ سَفَرِهِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ بَعِيدًا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَاسْتَوْعَبَ يَوْمَهُ بِالسَّيْرِ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ شِدَّةِ السَّيْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرَ قَصْرٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِسَفَرِ الْقَصْرِ.

[قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَالْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا نَصُّ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّائِلَ إمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالتَّمَامِ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْلَهَا التَّمَامُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالْقَصْرِ فَأَمَّا اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ فَبَيِّنٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَأَنَّ النَّسْخَ طَرَأَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فَعَلَّقَ حُكْمَ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ وَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَصَلَاةُ سَفَرِ الْأَمْنِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا قَصْرَهَا وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ النَّسْخُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ خَصَّ بِالْقَصْرِ لِلْخَوْفِ ذَلِكَ الْعُمُومَ فَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ الْآمَنِ عَلَى حُكْمِ عُمُومِ الْإِتْمَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الَّتِي عَنَاهَا السَّائِلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّمَا هِيَ صَلَاةُ السَّفَرِ لِلْخَائِفِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فَوَجَدَ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْخَائِفِ الْمُسَافِرِ فِي الْآيَةِ وَلَمْ يَجِدْ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْآمَنِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] أَنَّ مَعْنَى قَصْرِهَا فِي الْخَوْفِ التَّرْتِيبُ وَتَخْفِيفُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ.

(قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْآيَةِ الْقَصْرُ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَتَأْوِيلُ عُمَرَ وَابْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>