للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَمَلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» .

ــ

[المنتقى]

يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِمَّا يَصِفُ النَّاسُ إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ وَعْظٌ لِلنَّاسِ حِينَ يُخْبِرُ عَنْ عِيَانٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ لِأَنَّهُمَا غَايَةُ مَصِيرِ النَّاسِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ أُوحَى إلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ بَيَانٌ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْفِتْنَةُ الِاخْتِبَارُ وَلَيْسَ الِاخْتِبَارُ بِالْقَبْرِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إظْهَارُ الْعَمَلِ وَإِعْلَامٌ بِالْمَآلِ وَالْعَاقِبَةِ كَاخْتِبَارِ الْحِسَابِ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالتَّكْلِيفَ قَدْ انْقَطَعَا بِالْمَوْتِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَفِتْنَةُ الدَّجَّالِ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبُّدِ لَكِنَّهُ شَبَّهَهَا بِهَا لِصُعُوبَتِهَا وَعِظَمِ الْمِحْنَةِ فِيهَا وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ مَعَهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ إشَارَةً إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي عَنْ أَسْمَاءَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِهِ فَآمَنَّا وَلَمْ يَقُلْ فَأَيْقَنَّا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا النَّوْمُ هَاهُنَا الْعَوْدَةُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَوَصْفُهُ بِالنَّوْمِ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا لِمَا يَصْحَبُهُ مِنْ الرَّاحَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ وَقَوْلُهُ قَدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْت لَمُؤْمِنًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ لَا الْمُوقِنُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ وَالْمُنَافِقُ الَّذِي يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ وَالْمُرْتَابُ وَالشَّاكُّ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ فِي الْكُفْرِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمَعْنَى.

[الْعَمَلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

(ش) : هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الصَّلَاةَ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ فِيهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَوْلُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَلَّى نَصٌّ فِي الْبُرُوزِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَبْرُزُ إلَيْهَا وَصِفَةُ الْبُرُوزِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلزِّينَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ التَّضَرُّعِ وَالتَّذَلُّلِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلَاةِ لَهُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي لَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي لِلِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّمَا سُنَّ فِيهِ الْبُرُوزُ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَعْرَى مِنْ صَلَاةٍ كَسَائِرِ الْخُطَبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِيهَا كَتَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا الْبَذَاذَةُ وَالْخُشُوعُ فَلَمْ يَلْحَقْهَا تَغْيِيرٌ بِالتَّكْبِيرِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَاسْتَسْقَى يُرِيدُ اسْتَدْعَى السَّقْيَ وَتَضَرَّعَ فِيهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ جَمِيعًا فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ لَفْظُ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَيْهِمَا وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خُصَّ ذَلِكَ بِالْمُصَلَّى وَلَا يُخْتَصُّ إلَّا بِصَلَاةٍ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ خُطْبَةٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمَنْصُوصُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>