للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا وَعَيَّ أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ) .

مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَطَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " الْخَطْبُ يَسِيرٌ " الْقَضَاءَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَخِفَّةَ مُؤْنَتِهِ وَيَسَارَتَهُ، يَقُولُ نَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ)

ــ

[المنتقى]

ش أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى جَوَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَقَالَ إنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُوَفَّى مِنْ مَالِهِ عَنْهُ مَا نَذَرَهُ فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَهِيَ فِي ثُلُثِهِ مُبَدَّاةٌ عَلَى الْوَصَايَا يُرِيدُ التَّطَوُّعَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا أَثْبَتَهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إعَادَتِهِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْتَقْصًى فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَيَقُولُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) .

ش قَوْلُهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ يُرِيدُ لَا يُجْزِي أَنْ يَنُوبَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَمَنْ لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَفَعَلَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي صِيَامِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

ضَرْبٌ مِنْهَا مِنْ عِبَادَاتِ الْمَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَدَنِ كَالزَّكَاةِ فَهَذَا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْبَدَنِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَهَذَا لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِوَجْهٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصِّيَامِ فَإِذَا اتَّصَلَ مَرَضُهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَيَصُومُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِي صَوْمِهِ فَهُوَ آثِمٌ مُخَالِفٌ لِلْأُمَّةِ عَاصٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعِصْيَانِ بِصَوْمِ وَلِيِّهِ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يَدْخُلْهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ.

[مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ فِي الْوَقْتِ اجْتِهَادًا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَغِيبُ الشَّمْسِ، وَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُ الصَّائِمَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ فَمَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ مَعَ الشَّكِّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَتَيَقُّنِ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ حَلَّ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إذَا خَفِيَتْ عَلَامَاتُ أَوْقَاتِهَا قَامَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْمَعْرِفَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>