للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ ابْن لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَّدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ فَقَالُوا أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذُهَا وَلَا تَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ)

ــ

[المنتقى]

الْعُشْرِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلنَّمَاءِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَنْمِيَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِشِرَاءِ الْعُرُوضِ فَبِأَنْ تَجِبَ فِي تَصَرُّفِهِ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ أَوْلَى وَأَحْرَى وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَالٌ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا أَبْدَلَ بِمِثْلِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَيْنُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا مِمَّا لَا يَجْمَعُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِحَوْلِ الْأُولَى وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا لِحَوْلِ الثَّانِيَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَاتَيْنِ مَاشِيَتَانِ يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ فَإِذَا أَبْدَلَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَمْ يَبْطُلْ حَوْلُ الْأُولَى وَزُكِّيَتْ هَذِهِ لِحَوْلِهَا كَالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَيْنِ مَالَانِ لَا يُجْمَعَانِ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا أَبْدَلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ بَطَلَ حَوْلُ الْأُولَى أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَبْدَلَ الدَّرَاهِمَ بِالْمَاشِيَةِ أَوْ الْمَاشِيَةَ بِالْحَبِّ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ مَاشِيَةً يُزَكِّي الْبَدَلَ لِحَوْلِ الْأُولَى وَهَلْ يُبْطِلُ ذَلِكَ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟ رَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تُزَكَّى لِحَوْلِ الْأُولَى.

وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَسْتَأْنِفُ بِالثَّانِيَةِ حَوْلَ الْأُولَى.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَنْ أَبْدَلَ مَاشِيَتَهُ بِغَيْرِهَا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِحَوْلِ الْأُولَى بِمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَقُدِّرَ بِهِ مِنْ الْفِرَارِ عَنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِك.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَيْنَ الْأُولَى قَدْ اسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ إلَى صِفَةٍ لَا تُضَافُ إلَى الْمَاشِيَةِ الْأُولَى وَصَارَ بِيَدِهِ الثَّمَنُ تُجْرَى فِيهِ زَكَاةُ الْأَثْمَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ حُكْمَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ.

[مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا لِأَمْرِ عُمَرَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَهُ أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَالَهُ لَهُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ فَعَلَهُ بِأَمْرِ عُمَرَ لِيُعَرِّفَهُ بِمَا اعْتَرَضَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمْرِهِ لِيَرَى عُمَرُ فِي اعْتِرَاضِهِمْ رَأْيَهُ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَاعْتِقَادِهِ وُجُوبَهُ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عُمَرَ بِهِ لِيُعْلِمَهُ بِاعْتِرَاضِ النَّاسِ فِيمَا رَآهُ فَأَمْضَى عُمَرُ فِي ذَلِكَ مَا اعْتَقَدَهُ هُوَ أَوْ رَأَى فِيهِ رَأْيَ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْهُ فَوَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فَعَلَهُ سُفْيَانُ أَوَّلًا فَلَزِمَ ذَلِكَ النَّاسَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَامَّةَ الَّتِي هِيَ مَصْرُوفَةٌ إلَى الْأَئِمَّةِ لَا يُمْضَى فِيهَا إلَّا مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَيُؤَدِّيه إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دُونَ رَأْيِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَيُجْزِي ذَلِكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَخَفَّ مِمَّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الِانْقِيَادُ لَهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ احْتَجَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا صَوَّبَهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ وَالنِّصَابُ لَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ مِنْ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فَلَوْ كُلِّفَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَفْضَلِهَا لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ وَلَوْ أُخِذَ مِنْهُ مِنْ أَرْدَئِهَا لَمْ يَنْتَفِعْ مُسْتَحَقُّو

<<  <  ج: ص:  >  >>