للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْعُشُورِ كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الظِّهَارَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الْمُدُّ الْأَعْظَمُ) .

وَقْتُ إرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) .

ــ

[المنتقى]

التَّمْرُ عَامًا فَأَعْطَى شَعِيرًا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا غَيْرُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إنَّمَا تُخْرَجُ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا مُدٌّ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَإِمَّا مُدَّانِ عَلَى حَسْبِ مَا أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ وَقَوْلُهُ: وَزَكَاةُ الْعُشُورِ إنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ اعْتِبَارَ النُّصُبِ إنَّمَا هُوَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَالِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ الِاعْتِبَارُ بِمَا يُخْرَجُ إنَّمَا هُوَ بِالْمُدِّ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الظِّهَارُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ يُرِيدُ هِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِقْدَارِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُدَّانِ إلَّا ثُلُثًا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُدَّانِ بِهِ وَإِنَّمَا قَدَّرَ مَالِكٌ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ بِهِ لِمَا رَأَى أَنَّهُ مِقْدَارٌ يُجْزِي إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِمُدِّ هِشَامٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ كَانَ قَبْلَ هِشَامٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[وَقْتُ إرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهَا فَيُخْرِجُهَا عَنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ نَصَّبَ لَهَا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ إلَيْهِ الْأَمْرُ رَجُلًا يُرْسِلُ إلَيْهِ بِهَا فَتَجْتَمِعُ عِنْدَهُ حَتَّى يَضَعَهَا فِي وَقْتِهَا حَيْثُ رَأَى قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَإِرْسَالُهَا إلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ الْإِمَامَ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بَيْتُ الْمَالِ بِيَدَيْهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَدَفْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ إلَيْهِ أَوْلَى لِيَضَعَهَا فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْتَرِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهِمْ وَمَوَاضِعِ حَاجَتِهِمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَخْرَجَهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يُرْسِلَهَا أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يُبْعَثُ إلَى الْإِمَامِ فِيهَا وَإِنَّمَا هِيَ إلَى أَمَانَةِ مَنْ يُخْرِجُهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يُرْسِلُ الْإِمَامُ فِيهَا مَنْ يَطْلُبُ النَّاسَ بِهَا كَمَا يَفْعَلُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَإِنَّمَا يُنَصِّبُ لِذَلِكَ مَنْ يَثِقُهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ فِطْرَتَهُ قَبَضَهَا وَمَنْ وَلِيَ إخْرَاجَهَا لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَلِيَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

ص (قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إلَى الْمُصَلَّى قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءُوا أَنْ يُؤَدُّوا قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَهُ) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرَجَ زَكَاةُ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» .

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبَبٌ إلَى انْتِفَاعِهِمْ بِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِطْرِهِمْ بِهَا وَبِذَلِكَ يَسْتَغْنُونَ عَنْ التَّطَوُّفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُصَلَّى وَمَنْعًا لَهُمْ مِنْ النَّظَرِ عَلَيْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْفِطْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَّرِفٌ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>