للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ» وَقَالَ «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» )

ــ

[المنتقى]

الْخُفَّيْنِ غَيْرَ مَقْطُوعَيْنِ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّرَاوِيلَ إذَا قُطِعَتْ لَمْ يَقَعْ السِّتْرُ بِهَا فَإِذَا لُبِسَتْ عَلَى وَجْهِهَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ غَيْرَ مَقْطُوعَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَلْبَسُهَا سَرَاوِيلَ عَلَى وَجْهِهَا وَلْيَصْرِفْهَا عَنْ جِهَتِهَا إلَى مَا يُسْتَبَاحُ لُبْسُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَلْبَسُهَا دُونَ فِدْيَةٍ كَمَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِهِ عَلَى مَا يُرِيدُ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّهُ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ دُونَ فِدْيَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي السَّرَاوِيلِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى صُورَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْفِدْيَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّهُ مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْجُبَّةِ فَكَذَلِكَ السَّرَاوِيلُ.

[لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ]

(ش) : قَوْلُهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ» دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الصِّبَاغِ، وَأَفْضَلُ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ الْبَيَاضُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ يَلْبَسُهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَيُكَفَّنُ فِيهَا مَوْتَاكُمْ» فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا فَيَجْتَنِبُ الْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ أَوْ الْوَرْسِ يَجْتَنِبُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الطِّيبِ وَالصِّبْغِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ غَالِبًا لِلتَّجَمُّلِ، وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ يُنَافِيَانِ الْإِحْرَامَ وَمَنْ لَبِسَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْمُعَصْفَرِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: مُفْدَمٌ وَمُوَرَّدٌ فَأَمَّا الْمُفْدَمُ فَمَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي صَبْغِهِ لَا تَتَحَقَّقُ غَالِبًا إلَّا لِلتَّجَمُّلِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْجَسَدِ مَا يُشْبِهُ رَدْغَهَا فَكُرِهَ لِذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ بِالْعُصْفُرِ وَالْمَصْبُوغُ بِالْمُغَرَّى أَوْ الْمِشْقِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْأَصْفَرُ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ وَلَا يُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا إبْقَاءً عَلَى الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ الْمُقْتَدَى بِهِ لُبْسُهُ لِئَلَّا يُلْبَسَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيَقْتَدِي بِهِ فِي لُبْسِ الْمَصْبُوغِ الْمَمْنُوعِ لُبْسُهُ أَوْ يَنْقُلُهُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَشْهَبَ.

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمَصْبُوغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ) .

(ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِطَلْحَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ مَا هَذَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ عَلَيْهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا فِي حَالِ إحْرَامِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِمَدَرٍ فَكَرِهَهُ لَهُ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إمَامٌ يَقْتَدِي بِهِ النَّاسُ فِي لُبْسِ الْمَصْبُوغِ وَيَحْكُونَ عَنْهُ مِثْلَ هَذَا وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَمْنُوعِ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ الْمُقْتَدَى بِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحِ الْمُشَابِهِ لِلْمَحْظُورِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>