للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوْطَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ]

(ش) : قَوْلُهُ «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ» إخْبَارٌ عَنْ سَفَرِهِمْ وَقَصْدِهِمْ مَكَّةَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَتَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَإِنَّمَا جَازَ لِأَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْرِمٍ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَنْوِ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَصْحَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ لِيُكْثِرَ أَصْحَابَهُ وَجَمَاعَتَهُ إلَى مَوْضِعِ مَاءٍ لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُهُ لِيَعُودَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَا يَنْزِلُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ وَبَعْضُ الْجَيْشِ لِلرَّاحَةِ أَوْ لِمَعْنًى يَخُصُّهُمْ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا غَيْرَ طَرِيقِهِ لِسَبَبِ الْعَدُوِّ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الطَّرِيقِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ» يُرِيدُ أَنَّهُ رَآهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَرَاهُ إيَّاهُ وَلَا أَشَارَ لَهُ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ «فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلَى بَعْضٍ» وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا إشَارَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا هِيَ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْمُشِيرُ وَالدَّالُ إلَى أَنْ يَرَى الْمَدْلُولُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ الصَّيْدَ «وَضَحِكَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ» لَمْ يُقْصَدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ وَلَا أُعْلِمَ بِجِنْسِهِ وَلَا نُبِّهَ عَلَى مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى رُؤْيَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ضَحِكَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ لَيْسَ بِدَلَالَةٍ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا إشَارَةٍ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ لَهُ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مِمَّا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» فَنَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا أَوْ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا مَمْنُوعٌ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ضَحِكَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الصَّيْدِ سَبَبٌ لِقَتْلِهِ وَتَطَرُّقٌ إلَى إتْلَافِهِ وَذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ دُلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ حَرُمَ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَلْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ أَوْ لَا؟ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ دُلَّ الْمُحْرِمُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ فَإِنْ دُلَّ حَلَالًا فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إنْ نَاوَلَهُ سَوْطًا وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الدَّالِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءٌ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْمَدْلُولِ إنْ كَانَ حَرَامًا جَزَاءٌ آخَرُ، الدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذِهِ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ الدَّالُّ عَلَيْهَا غُرْمُ أَصْلِهِ إذَا دَلَّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَإِنَّمَا أَبَوْا أَنْ يُنَاوِلُوهُ رُمْحَهُ أَوْ سَوْطَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً عَلَى قَتْلِهِ وَمَنْ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ فَقَدْ مُنِعَ الْعَوْنَ عَلَى قَتْلِهِ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِمُنَاوَلَةِ رُمْحٍ أَوْ سَوْطٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ فِي ذَلِكَ إلَى مَعْنًى مَا دُونَ نَصٍّ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنَصٍّ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحْتَجَّ بِهِ لَصَارَ الْكُلُّ إلَى مَا احْتَجَّ بِهِ، ثُمَّ أُعْلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُعَنِّفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>