للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ يُصَلِّي لَهُمْ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ ثُمَّ تَرْكَبُ فَتَسِيرُ إلَى مِنًى وَتَقِفُ) .

السَّيْرُ فِي الدَّفْعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ) .

ــ

[المنتقى]

بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ هَذِهِ كَرَاهَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ وَنَفْيِ الْإِجْزَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ وَلِذَلِكَ وُصِفَتْ الْأَيَّامُ بِالرَّمْيِ دُونَ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] فَوُصِفَتْ الْأَيَّامُ بِأَنَّهَا مَعْدُودَاتٌ لِلْجِمَارِ الْمَعْدُودَاتِ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِاللَّيْلِ فَمَنْ رَمَى لَيْلًا أَعَادَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ مَنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ «عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَرْمِيهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَيَقُولُ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَالنِّصْفِ الْأَوَّلِ.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجُوزُ فِيهِ الذَّبْحُ فَجَازَ فِيهِ الرَّمْيُ كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.

(فَصْلٌ)

قَوْلُهُ وَمَنْ رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ وَأَنَّ النَّحْرَ إنَّمَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحُلُولَ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ قَدْ حَلَّ وَقْتُ ذَبْحِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ إبَاحَةً عَارِيَّةً مِنْ الْكَرَاهِيَةِ سَالِمَةً مِنْ التَّقْدِيمِ عَلَى مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الذَّبْحِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا» .

(ش) : قَوْلُهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ اتَّخَذَتْ إمَامًا يُصَلِّي بِهَا إذْ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ مِنْ أَحَدٍ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا النُّهُوضُ إلَى الْمَوْقِفِ إمَّا لِضَعْفِهَا أَوْ لِمَا كَانَ أَصَابَهَا مِنْ الْعَمَى فَاِتَّخَذَتْ مِمَّنْ كَانَ يَكُونُ مَعَهَا مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ فَتُدْرِكُ بِذَلِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهُمْ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدِّمُ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذِهِ السُّنَّةُ لِمَنْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ وَلَا يَضِيقُ وَقْتُ الْوُقُوفِ عَمَّا يُرِيدُونَهُ مِنْ طُولِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدِّمُ الصَّلَاةَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُمْكِنَهَا التَّقَدُّمُ إلَى مِنًى وَيُمْكِنُهَا الرَّمْيُ فِي خَلْوَةٍ قَبْلَ التَّضَايُقِ وَالتَّزَاحُمِ الَّذِي تَكْرَهُهُ وَلِمَا كَانَ يَمْنَعُ مَا تُرِيدُ مِنْ التَّسَتُّرِ فَكَانَتْ تُقَدِّمُ بِذَلِكَ الدَّفْعَ إلَى مِنًى وَتَرْكَ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ إذَا كَانَ قَدْ بَاتَ بِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[السَّيْرُ فِي الدَّفْعَةِ]

(ش) : سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ سَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَفَعَ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَّا أَنَّ اخْتِصَاصَ أُسَامَةَ بِوَقْتِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>