للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِيمَنْ يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا) .

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعُ يَدُهُ رَأَيْت أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت)

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهَا» يُحْتَمَلُ الِاسْتِعْمَالُ الْمَعْهُودُ مِنْ مِثْلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتِعْمَالًا عَامًّا وَالْأَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمَلُّكٍ مَحْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ انْتِفَاعٌ إلَى وَقْتٍ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إذَا دُبِغَتْ شَرْطٌ فِي إبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَيُمْنَعُ ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي مَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِيمَنْ يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى غَيْرِ الْمُذَكَّى وَإِنْ كَانَ الْمُذَكَّى مَيِّتًا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَكْلُهَا وَهَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ وَالسَّعَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] إلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ١٤٥] وقَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: ٣] الْآيَةُ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ يُرِيدُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهَا وَاسْتِبَاحَتِهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ مِنْهَا بَلْ يَشْبَعُ مِنْهَا الشِّبَعَ التَّامَّ وَيَتَزَوَّدُ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فِي حَالِ وُجُودِ الطَّعَامِ لَمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يَأْكُلُ مِنْهَا مَا يُقِيمُ رَمَقَهُ ثُمَّ لَا يَأْكُلُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ مِنْ الضَّرُورَةِ إلَى حَالِهِ الْأُولَى وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِحِفْظِ النَّفْسِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِيمَا دُونَ الشِّبَعِ فَمَا زَادَ لَا يُتَنَاوَلُ لِحِفْظٍ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَمَنْ تَعَشَّى فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لَيْلَتَهُ تِلْكَ وَالْيَوْمَ بَعْدَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ وَجَدَ بِنَفْسِهِ قُوَّةً مَضَى عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَهُ ضَعْفٌ وَخَافَ الْمَوْتَ أَوْ مَا قَارَبَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ وَيُنْهِضُهُ فِي سَفَرِهِ وَتَعَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا نَكُونُ بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا الْمَخْمَصَةُ فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ: إذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفُوا بَقْلًا شَأْنُكُمْ بِهَا» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي بِالِاصْطِبَاحِ الْغَدَاةَ وَالِاغْتِبَاقِ الْعَشَاءَ وَالِاحْتِفَاءِ جَمْعَ الْبَقْلِ وَأَكْلَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ مَا وَجَدَ تَعْلِيلًا مِنْ تَبَقُّلٍ أَوْ غَيْرِهِ يُمْسِكُ نَفْسَهُ وَيُؤَمِّنُهُ الْمَوْتَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَوَجَدَهَا وَوَجَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>