للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ) .

ــ

[المنتقى]

لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَأَمَّا بَيْعُهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ فَغَيْرُ جَائِرٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ أَحَدًا مِنْ الْغَازِينَ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُبْتَاعَ أَنْ يَقْضِيَهُ الثَّمَنَ وَلَا الْمُقْتَرِضَ أَنْ يُوفِيَهُ الْقَرْضَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ لِحَاجَةِ أَنْ يَصْرِفَ ثَمَنَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السِّلَاحِ وَاللِّبَاسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا مِنْ الْمَغْنَمِ إذَا وَجَدَهُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَذَلَ طَعَامًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طَعَامٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ طَعَامًا.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ ثَمَنًا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ مَغْنَمًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ طَعَامًا وَأَنَّهُ مَتَى صَارَ ثَمَنًا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ مَغْنَمًا كَمَا لَوْ أَخَذَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ.

[مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ يُرِيدُ ذَهَبَ وَإِنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ يُرِيدُ أَيْضًا ذَهَبَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: عَارَ الْفَرَسُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ فِي النِّفَارِ وَالْفِرَارِ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَتِهِ: عَارَ الْفَرَسُ يَعِيرُ عَيْرًا إذَا انْطَلَقَ مِنْ مَرْبِضِهِ فَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَقَوْلُهُ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُ صَارَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ وَفِي قَبْضَتِهِمْ وَحِيَازَتِهِمْ ثُمَّ غَنِمَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُمَا رُدَّا إلَى مِلْكِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُمَا لَهُ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ يُرِيدُ مَقَاسِمَ الْغَنَائِم مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ وَهَذَا حُكْمُ مَا أَصَابَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ وَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ وَكَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ بِتَجَدُّدِ مِلْكٍ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا مَعْرُوفًا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لِلْغَائِبِ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُنْفِذَهُ إلَيْهِ وَتَكُونَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْأُجْرَةُ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَيُوقَفَ لَهُ الثَّمَنُ فَعَلَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُسْتَطَعْ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ قُسِمَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ تَفُتْهُ الْقِسْمَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفُوتَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَتَقَرَّرْ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِذَا كَانَ غَائِبًا وَكَانَ ثَمَّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا قَدِمَ إلَّا بِالثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَجُزْ لِلْجَيْشِ تَمَلُّكُهُ وَقِسْمَتُهُ وَلَزِمَ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ مُسْتَحِقِّينَ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَيْدِيهِمْ إلَّا بِأَنْ يَسْتَحِقَّهُ مُعَيَّنٌ يَدَّعِيهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ الْغَانِمِينَ لَا يَدَّعُونَ مِلْكَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُمْ مَالِكٌ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِمِلْكِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَقَاسِمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْفَيْءِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ طَوْعًا مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُمْ فَلَا يُوفُوهُ ثَمَنَهُ أَوْ يَخَافَهُمْ فَيُصَالِحَهُمْ بِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فَبِهِ إذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ بِاخْتِيَارِهِ وَمَلَّكَهُمْ إيَّاهُ وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>