للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ أَهْلِ الصُّلْحِ حَالَ حَيَاتِهِمْ مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ) أَهْلُ الصُّلْحِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ فِي جُمْلَتِهِمْ أَوْ يُصَالِحُوا عَلَى شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْ جَمَاجِمِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ جِزْيَتَانِ فَجِزْيَةٌ عَلَى الْبَلَدِ مُجْمَلَةً وَجِزْيَةٌ عَلَى الْجَمَاجِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُوضَعَ عَلَى جُمْلَتِهِمْ شَيْءٌ يَغْرَمُونَهُ لَا يُحَطُّ مِنْهُ لِقِلَّتِهِمْ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِكَثْرَتِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ حَتَّى يُؤَدُّونَهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ أَدَّى أَكْثَرَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَهُ وَدِيَةُ الْجَمَاجِمِ أَنْ يُوضَعَ عَلَى كُلِّ جُمْجُمَةٍ دِينَارٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فَهَذِهِ الْجِزْيَةُ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ عَدَدِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَتَنْقُصُ بِنَقْصِ عَدَدِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَضْمَنْ مَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ مَا يَخُصُّهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا بَاعَ الصُّلْحِيُّ أَرْضَهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لَمْ يَجُزْ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ يَنْعَقِدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَهِيَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَسْمًا ثَالِثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَمَاجِمِ خَرَاجٌ وَعَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَكَيْفَمَا انْعَقَدَ الصُّلْحُ فِي ذَلِكَ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ جِزْيَةُ أَهْلِ الصُّلْحِ إنَّمَا هِيَ فِيمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ قَالَ وَلَا يُزَادُ فِي جِزْيَةِ الصُّلْحِ عَلَى الْغَنِيِّ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا عَنْ الْفَقِيرِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا يُقَرَّرُ إنَّمَا هُوَ دِينَارٌ إلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَلَا يُزَادُ الْغَنِيُّ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَا يُنْقَصُ الْفَقِيرُ عَنْ دِينَارٍ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَادُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي جِزْيَةِ جَمَاجِمِهِمْ وَإِنْ أَيْسَرُوا عَلَى مَا فَرَضَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا قَالَ وَتُطْرَحُ عَنْهُمْ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يُوَفَّ لَهُمْ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ مَنْ اسْتَقَرَّتْ جِزْيَتُهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يُنْقَلُ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُمْ عَلَى مِقْدَارِ مَا فِي جُمْلَتِهِمْ فَلَا يُزَادُونَ عَلَيْهِ لِغِنَاهُمْ وَلَا يُنْقَصُونَ مِنْهُ لِفَقْرِهِمْ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ١

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ عَنْهُمْ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ) أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ جِزْيَتَانِ جِزْيَةٌ عَلَى الْبَلَدِ وَجِزْيَةٌ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً عَلَى الْبَلَدِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُقَسَّمُ وَلَا يَمْلِكُهَا إنْ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا لَهُ مَالُهُ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَمَوْقُوفَةٌ أَبَدًا لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَذَلِكَ بِأَسْرِهِ بَاقٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ النَّصَارَى وَأَمَّا إنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ فَلَهُمْ بَيْعُ الْأَرْضِ وَهِيَ لَهُمْ مِلْكٌ يَصْنَعُونَ بِهَا مَا شَاءُوا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَهْلَ الصُّلْحِ إذَا صَالَحُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّ عَامٍ أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ دِينَارَيْنِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَعَلَى أَرْضِهِمْ عَلَى كُلِّ بَذْرٍ كَذَا شَيْئًا سَمَّوْهُ وَعَلَى كُلِّ زَيْتُونَةٍ كَذَا قَالَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَهُمْ بَيْعُهَا فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْخَرَاجِ إذَا وُضِعَ عَلَى الْجَمَاجِمِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَاخْتَلَفَا إذَا وُضِعَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ بَيْعَ الْأَرْضِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا وَضَعَتْ الْجِزْيَةَ أَوْ الْخَرَاجَ عَلَى الْجُمْلَةِ هِيَ سَبَبُ الْجِزْيَةِ وَهِيَ مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَفْوِيتُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ اسْتِجْلَابِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَرْضَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَمِلْكِهِمْ فَكَانَ لَهُمْ بَيْعُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَالْعَيْنِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى مِقْدَارِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْغَرْسِ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا وَلَا تَفْوِيتُهَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>